الردُّ على خالد الصمادي في نقدِه للجواهري

mainThumb

07-03-2015 09:52 AM

قبل أيام قمتُ بزيارة أخٍ لي في محافظة عجلون ، وألتقيتُ بصديق لي وهو الشاعر رسمي الزغول ، وكان يحملُ معه كُتَيِّباً يريدُ اطِّلاعي عليه لشخص يُدْعى خالد عبدالرحيم محمد الصمادي ، ورسالتُهُ بعنوان ( لامية الصمادي ) ، تحتوي على أمرين :
 
1 - قصيدة في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم أطَّلع عليها لانشغالي .

2 – نقد لقصيدة الجواهري في مدح الملك حسين – رحمه الله – فتصَفَّحْتُ النقدَ لأني شاركتُ قديماً في نقد أبيات معينة لهذه القصيدة ، وأخرجتُ النقد في مقالين ، الأوَّل : ( النسر في شعر الجواهري ) ، والثاني : ( الجواهري وطعنُهُ الخفي ) ، فقلتُ لعلي أجد عنده ما يفيدني ، ولكن كان العكسُ وجدتُ في نقده جهلاً باللغة ، وجهلاً بأساليب العرب ، وتحاملاً مُزْعِجا على أبيات الجواهري ، يُذَكِّرُني بتحامل الباقلاني على شعر إمرئ القيس ، وكما رأيتُ تعالماً مُخيفاً ...

إننا نقبلُ النقدَ الصادرَ من رجلٍ يَعْرِفُ دروبَ النقد ، ويعرفُ زلَّات الشعراء كما كان الأوائل ، أمثال الآمدي ، والعسكري ، ...

أمَّا أنْ يأتيَ النقدُ من قليل البضاعة ، وممن يُلْبِسُ الكلماتِ غيرَ لِباسِها ، فهذا لا يُرْتَضى عملُهُ ، ولولا طلبُ الأخ رسمي ، لما أعرتُها كبيرَ اهتمامٍ ، ولكن للغةِ حَقُّها وواجبُها ، إنْ تَطَفَّلَ عليها من ليس من أهلِها .

وسأكشفُ اللثام عن جهل الناقدِ للجواهري ، مع الإشارة إلى تعالمِهِ الواضح .

1 – اعترض الصمادي على استعمال الجواهري لكلمة ( فحل ) في موطن المدح ، قال الجواهري :

نسلوك فحلاً من فحولٍ قدَّموا
..... أبداً شهيدَ كرامَةٍ ، وقتيلا .

قال الصمادي معترضاً : ( النسلُ من التناسلِ ، والفحلُ كلمةٌ لا تُسْتَعْمَلُ حالياً على وجه المدح ، ولم تكنْ تُسْتَعْمَلُ بما يفيدُ المدحَ بمقامٍ سامٍ ، كمقام الممدوح ... ) !

وقد غاب عن الصمادي أن كلمة ( فحل ) تكون للمدح قديماً ، وحديثاً ، وما يهمنا هو القديم ؛ لأنَّه هو الحجة ، والبرهان . جاء في ترجمة رملة بنت أبي سفيان زوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ورضي الله عنه وعن أبيها ، عند أهل السِّيَرِ والتواريخ أن أبا سفيان لما بلغه خِطْبَةُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لابنتِه رملة ؛ قال :

( ذلك الفحلُ لا يُقْدَعُ أَنْفُهُ  ) ، ومعناه : أن العربَ كانت تحرص على لِقاحِ الفحل المشهور في إبِلِها ، فَإنْ رأتْ جملاً ليس فيه فحولةٌ قرعتْ أنفَهُ زاجرةً له عن طَرْقِ إبِلِهَا ، فقيل هذا المثل ، لأن الفحلَ المعروف بالفحولة لا يقدعُ أنفُهُ أي لا يُطْرَدُ ، فقد قالها أبو سفيان في حقِّ سيد البشر ، فلا ضير من استعمالِها في موطن المدح والفَخار . فاستعملُ الجواهري صحيح ، واعتراض الصمادي هزيل ركيك .

2 – اعترض الصمادي على استعمال الجواهري لكلمة ( العبقري ) في موطن المدح أيضا ! قال الجواهري :

يُهْدِيْهِ ضوءَ العبقري ، كأنَّهُ
.....  كشفَ منها سِرَّها المجهولا .

قال الصمادي : ( هذه لا تَصْلُحُ اطلاقاً أن يوردُها الشاعرُ في مقام سيدنا الهاشمي سليل بيت النبوة الطاهرة ! ماذا يقصد بضوءِ العبقري ، وعبقري من عبقر ، وعبقر مكان كان يؤوي الجن ... ) !

فلا أدري كيف يَجْرُؤُ هذا الرجلُ على مثل هذه الاعتراضات ، وصدق الحافظ ابنُ حجر عندما قال : ( مَنْ تَكَلَّم في غير فَنِّهِ أتى بالعجائب ) .

أخرج البخاري في ثناء الرسول – صلى الله عليه وسلم – على الفاروق عمر – رضي الله عنه - :

( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا والله يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن ) .

فهل كلمة ( عبقرياً ) في حَقِّ عمر بن الخطاب مدحٌ أم ذمٌّ ؟!

3 – اعترض الصمادي على كلمةٍ ظَنَّ أن الجواهري قالها ، وهي من كيس ذاك الصمادي ، الجواهري استعمل كلمة ( بِطِبِّهِ ) ، فوهم الصمادي وصَحَّفها إلى ( بِطيبهِ ) ثم بنى إعتراضاته الوهمية على تصحيفه ، قال الجواهري :

يا مُبْرِئَ العِلَلِ الجِسَامِ بِطِبِّهِ
...... تأبى المروءَةُ أنْ تكونَ عليلا .

قال الصمادي معترضاً على وهمِهِ : ( لفظ الطيب هنا لا يزيدُ المعنى رونقاً وجمالاً خاصا بل أفضلُ منه لفظ  فضلهِ أو نُبْلِهِ  حيثُ أن الطيبَ منصرفٌ إلى التَّطَيُّبِ والعطر ، إلا إذا كان قصدُ الشاعر الطيبة أو طيبته ، ومعناها غير معنى الطيب ) !

نكرر قول الحافظِ : ( مَنْ تكَّلم في غيرِ فَنِّهِ أتى بالعجائبِ ) .

وهناك اعتراضاتٌ نصونُ القلمَ عن مُلاحَقَتِها ، لِوُضوحِها وسُقوطِها .

أمَّا ما يَتَعَلَّقُ بالتعالمِ ، قال الصمادي متعالماً على الجواهري :

( ... ولكنني أُضْطُرِرْتُ لِتَأْليف هذا البيت الذي أَوْرَدتُهُ آنفاً ؛ لِمُعاوَنَةِ الشاعر في فكرتِهِ الظاهرة ؛ لأني ضقتْ ذرعاً بِهَنَّاتِ شاعرِنا ) !!

وقال متعالما ً أيضا : ( ... ويا ليتَهُ استبدَلَها بما هو خيرٌ منها ، ولن أُخْبِرَهُ هنا عنها ؛ فقد أتْعَبَني ) !!

فإلى اللهِ المُشْتَكى ...
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد