وَكُلُّ مَنْ غالبَ الأَيامَ مغلوبُ

mainThumb

18-06-2015 11:29 PM

 لقد أخطأ الشاعرُ الجواهري في قصيدته ذائعة الصيت في وصف الملك حسين بن طلال – رحمه الله – التي مطلعُها :

يا سيِّدي اسعفْ فمي لِيَقولَ في 
..... عيدِ مولِدِكَ الجميلِ جميلا .
 
فقد شبَّه الجواهري الملكَ حسين بن طلال بطائر النسر ، وهذا بيَّنْتُه في مقالةٍ مستقِلَّة ، أطلتُ النَّفَسَ في تبيان الزللَ في ذلك .
 
فإن الشعراء لهم منهجٌ من خرج عليه ، رُمِيَ بالحجر والمدرِ ، وصِيْحَ به من أقطارِها ، فعلى سبيلِ التوضيح ؛ شَبَّه الشعراءُ الناقةَ القويَّة بالحمار الوحشي من جهة القوة والتَّحَمُّلِ ، وشبَّهوا المرأةَ بالنخلة والنَّعْجةِ ، وفي أشياءَ كثيرة ليس هذا مكانَ استقصائها وجمعِهَا .
 
وعودا على خطأ الجواهري في تشبيه الملك حسين بالنسر ، وهذا لم يفعَلْهُ القدماءُ ، فإنَّ لهم منهجاً مسلوكا في تشبيهات النسر بأشياء ؛ منها :
 
1 – شَبَّهوا النَّسرَ بالنساء – خاصةً في المِشْيَةِ وارتداء المُلاءةِ – فهذه جنوبُ بنت العجلان الهذلية ترثي أخاها عمرو ذا الكلب ، وهي من موجِعات المراثي :
 
كُلُّ امرئٍ بطوال العيش مكذوبُ 
...... وَ كُلُّ مَنْ غالبَ الأيامَ مغلوبُ
 
وكُلُّ حَيٍّ  وإنْ طالتْ سلامَتُهُم 
.....  يوماً طريقُهُم في الشَّرِّ دعبوبُ
 
 وكُلُّ مَنْ غالبَ الأيامَ مِنْ رَجُلٍ 
..... مُوْدٍ ، وتابَعَهُ الشُبَّانُ و الشيبُ
 
بينا الفتى ناعمٌ راضٍ بعيشتِهِ 
.....  سِيْقَ لهُ مِنْ دواهي الدَّهْرِ شُؤْبُوْبُ 
 
تمشي النسورُ إليه وهي لاهيةٌ 
..... مَشْيَ العذارى عليهِنَّ الجَلابِيْبُ .
 
فهي في البيت الأخير تُشَبِّهُ النسور بالعذارى ( النساء ) وهي تخطرُ حولَ أخيها عمرو فلا تفزعُ منه ؛ لِعِلْمِها بأنه ميِّتٌ لا حراكَ به ، فقالتْ : ( لاهيةٌ ) أي آمنةٌ منه ، ومن فزعِهِ .
 
2 – شبَّهوا الرايات بالنسور ، قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه - يهجو الخوارج يوم النهراوان :
 
نسيرُ إذا كاع قومٌ وبَدَّلوا 
..... براياتِ صِدْقٍ ؛ كالنسورِ الخوافقِ .
 
فعدي – رضي الله عنه – يصف جيشَ عليٍّ – رضي الله عنه – في ملاقاة الخوارج ، فلا كاعَ ( جَبُنَ ولا هاب ) ، وهذا دأبُ أهل السنة على مرِّ الزمان صناديدُ حرب في مواجهة أهل البدع وخاصة الخوارجَ المارقة ، فراياتُ أهل السنَّة كالنسور خَفَّاقةً ، ورايات الخوراج  كطيور البغاث منكوسةً مُعَفَّرةً ، وراياتُ أهل السنة راياتُ صِدْقٍ على تَقَلُّبِ الدهور والأحايين .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد