الثمرة - ابراهيم محمود العتيبي

mainThumb

13-01-2016 06:57 PM

تلك الشجرة الباسقة المثمرة عصيّة على من يريدُ أن يتسلّقها ، ردّ الصبي ذو الحادية عشرة بعفويّة :
 
ـ ولكنّها لا تبدو كذلك .
 
قال العجوز:
 
ـ دونها وحش كاسر ، ومصائد ، وأفاع لا عدد لها .
 
قال الصبيّ وهو يمعنُ النظر أمامه :
 
ـ ولكنيّ لا أرى شيئا من ذلك
 
قال العجوز: وهذا تماما ما يجعلها عصيّة .
 
فكّر الصبيّ طويلا .. حول هذه الشجرة ما حولها من موانع وعوائق ومع هذا تتخللها أشعّة الشمس حين تشرق وحين تتوسّط السماء وحين تغرب كان يحاول أن يصطاد المعنى ولكن عبثا .. كان يحاول أن يجد طريقة ما أو حلاّ ما أو فجوة يتسلّل منها .. حين اختلطت عليه الأمور التفت إلى حيث كان العجوز فلم يجده كان قد غادر منذ زمن وتركه وحيدا .
 
عيناه الحادتان تفرّستا في المكان علّه يرى فلم ير شيئا .. أرخى أذنيه الصغيرتين فلم يسمع شيئا .. قال في نفسه : 
 
ـ لنفرض أن بيتي خلف هذه الشجرة العملاقة وليس هناك من طريق آخر فماذا يتوجب عليّ أن أفعل ؟
 
كانت الأفكار المتضاربة تطوّح برأسه الصغيرة يمنة ويسرة وكانت أحاسيسه المتباينة تتلوّن وتتلون .. تلفّت حوله علّه يجد العجوز فلم يجد أحدا وفكّر لو أن العجوز مضطر لعبور هذه المسافة فماذا يفعل؟ وأخذ يردّد :
 
ـ ماذا يفعل ؟ ماذا يفعل ؟
 
وأجاب على نفسه :
 
ـ لن يفعل شيئا .. سيظلّ الدهر جالسا ها هنا لأنه سوف يحسب حسابا للوحش ، وحسابا للأفاعي ، وحسابا للمصائد وسوف تفرض عليه حسابات النتائج المكوث حيث هو .
 
وارتاح إلى ما توصّل إليه وفكّر بصوت مسموع بأنّ المآزق تعلّم الإنسان ما لم يعلم .
 
كانت السماء حين بلغ به التفكير ما بلغ تسارع إلى المغيب تاركة أشعّتها الذهبية تلوّن العشب والشجر والحجارة فبدا المنظر أمامه كلوحة أبدعتها يد فنان من فناني الطبيعة في عصور النهضة .. في هذه اللحظة تماما استقرّ على أمر ما .. قستْ تقاطيعُ وجهه وتصلّبت عضلاته وانطلق كالسهم مخترقا الأعشاب الجافة والشجيرات الصغيرة غير آبه لشيء ومرت الثواني والدقائق بطيئة بطيئة بطيئة وما هي إلاّ لحظات حتى كان يتسلّق الشجرة التي كانت عصيّة بخفة ومهارة أين منها خفة ومهارة طيب الذكر طرزان وحين استوى على أغصانها هدأت ضربات قلبه وأخذ يتأمل الطريق الذي سلك لم ير وحشا يتعقبه ولا أفاع تزحف إليه فهدأت نفسه وتناول ثمرة من ثمار تلك الشجرة وقبل أن يبدأ في التهامها نظر إلى النقطة التي انطلق منها ففوجىء بالعجوز واقفا هناك يلوّح إليه ويبتسم .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد