آية الله براغماتي

mainThumb

24-11-2016 10:13 AM

يجمعنا - نحن العرب -  من القضايا مع إيران  أكثر مما يفرقنا، وبالطبع فإن مقدار هذا التقاطع أو التنافر محكوم بمدى تحقيق المصالح المرحلية والاستراتيجية لكلا الطرفين، فمن أبرز الجوامع فيما بين الأمتين هو التاريخ والثقافة المشتركة التي  تتجلى بالدين الإسلامي والجذور اللغوية واللغة الفارسية المكتوبة بالحرف العربي، كما أن مسائل كالاعتماد على النفط ومشاكل التنمية وأهمية الخليج ومضيق هرمز من المشتركات بيننا، ولا نستطيع تجاهل الموقف المتشابه من إسرائيل كذلك، ولسنا ببعيد عن "زمن الغرام" الذي ساد في عهد الشاه البائد.
 
في الطرف المقابل يبدو أن هنالك جملة ملفات شائكة باتت تكدر مستوى العلاقة بين الأمتين، بدءا بتسمية الخليج العربي/الفارسي، مرورا بالجزر المتنازع على ملكيتها مع الإمارات، فإشكالات الحج مع السعودية، ومن ثم الملف النووي الذي يثير تحفظات الكثيرين، وليست نهاية المطاف قيام إيران باستثمار ملف المذهبية لمد النفوذ السياسي على لبنان وسوريا واليمن والعراق.
 
 
لا نستطيع لوم إيران على طموحاتها مرتفعة السقف في المنطقة لأن هذه من بديهيات التاريخ، لأن الفراغ حالة غير مقبولة فيزيائيا على الأرض ولا بد من انسحاب القوة من نقاط الكثافة والتركز باتجاه الفراغ لملأه وتحقيق حالة التوازن، والذي أحدث الفراغ في المنطقة هو تضاؤل أدوار كل من العراق وسوريا ومصر والسعودية كما ولما يعلم الجميع، متزامنا مع تقدم أدوار كل من تركيا وإيران وإسرائيل. اللوم من الأجدى أن يكون على أمتنا التي فضلت التفرقة وشريعة القوة القاهرة وتهميش الشعوب والتسلط، وغيبت مفاهيم العدالة والمساواة والحرية والتمكين فكان لها هذا المآل.
 
 جمهورية إيران الإسلامية أكثر عمقا وفكرا مما يتخيل البعض، هذه الجمهورية ورثت حلما إمبراطوريا لشاه فارسي حكم نصف العالم المكتشف آنذاك، وحلما بالخلافة للعالم الإسلامي زمن الصفويين، وحلما بمذهب يمنح التمايز عن "العرب والأعراب" السنة، إن هذه الأحلام تثقل كاهل (آية الله) على مر السنين، والمطالع لإدارة إيران لملفاتها وأزماتها يدرك حجم الحلم وأبعاده ومستوى المرونة الاستراتيجية التي يتمتع به النظام في طهران.
 
 
الثورة الإيرانية و منذ انطلاقتها كانت تحمل براغماتية متقدمة من شأنها إزالة أي عقبة أمام المسيرة، بدءا بالانقلاب على اليساريبن الثائرين، مرورا بفضيحة إيران غيت وقصة الصواريخ الأمريكية، فالحرب العراقية، فالطاقة النووية وتسوياتها، وليس آخرا السيطرة على العراق وسوريا واليمن ولبنان ومساعي التحكم بالخليج وثورات طوائفه في ذات الوقت الذي أجهضت فيه قوات الباسيج ثورة الشعب الإيراني التحررية الأخيرة.
 
لا يخفى على قارئ أن إيران دولة مشروع، دولة تعيش هاجس العظمة، دولة لا تتقبل الانصياع والتبعية، دولة تبني قدرات تصنيعية ليست بالتقليدية وتعتقد بتوطين التقنية، إنها تكاد تكتفي من كل ما هو هام للبقاء والكرامة والاستقلالية، تدفن عشرات المصاعب والمعضلات وتتجاوز كل العقبات لتمضي قدما.
 
 آية الله العظمى البراغماتي (الذي يمثل عقل الأمة ووعيها وضميرها وتصميمها) مستعد للذهاب بعيدا لأقصى ما يمكن تصوره في سبيل تحقيق الحلم. ربما لا يخيفنا هذا الحلم بمقدار ما نخشى أن نكون كعرب أحد أوراقه التفاوضية على طاولة التسوية و التفاهم مع القوى العظمى في ظل غياب شبه كامل لحالة وعي من شأنها إنقاذ ما قد لا يمكن إنقاذه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد