اَلْفَرْقَ بَيْنَ سَابِقُوا وَسَارِعُوا فِي اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيْمِ.

mainThumb

24-12-2019 11:28 AM

 السرعة هي نقيض البطء، سارَعَ في الأمر : أسرع إليه، أي بادَر وعجِل إليه ، سابَق غيره في المبادرة إلى فعله. وأما المسابقة فهي السباق بين أكثر من متسابق والذي هو أسرع الذي يتقدم المتسابقين ويفوز. وهكذا يفعل أصحاب الخيول والجمال وغيرها من الحيوانات في إجراء عملية السباق بينهم في حلبة السباق حتى يحكمون مَنْ مِنَ الخيول أوالجمال أو غيرها الخاضعه للسباق الأسرع. ولكن حتى نحن بني آدم هناك سباق بين المتسابقين منا في الألعاب الرياضية وخاصة في الأولومبيات في مسابقات مختلفة مثل السباحة والجري ورماية الرمح ورمي الجلة ورمي القرص والقفز العريض والعالي ... إلخ. فالأقوى هو الذي يفوز في المسابقة ويتقدم عن غيره من المتسابقين. فالقوة في أداء أي عمل هي مقياس الفوز في أي مسابقة، فعلينا أن نكون أقوياء في إيماننا وفي أعتقادنا وفي مبادئنا ... إلخ حتى نكون من الفائزين على غيرنا في أي مسابقة دينيه أو اخلاقيه. قال رسول الله صلى عليه وسلم لأحد الصحابة: أتَدْرِي بِكَمْ سَبَقَكَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَبَقُونِي بِغَدْوَتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَبَقُوكَ بِأَبْعَدِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ.

 
قال تعالى في كتابه العزيز (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الحديد: 21)). ففي هذه الآية قال الله سابقوا ولم يقل سارعوا لماذا؟ لأن أعمال الخير كثيرة وعديدة والذي يعمل أعمالاً خيرة أكثر من غيره يسبق غيره إلى مغفرة الله ودخول الجنة. وكما عَلِمْنَا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجنة درجات ومستويات وفق الأعمال التي يعملها كل إنسان من عباد الله، فمثلاً الذي يتصدق دائماً بماله على الفقراء والمساكين أفضل من الذي يتصدق أحياناً. والذي ينفق في سبيل الله معظم ماله أو كله أفضل من الذي يتصدق بجزء يسير من ماله ... إلخ. وميزان الله سبحانه وتعالى حساس ودقيق للغاية ولا يفوته مثقال ذرة من خردل (أثبت العلماء أن ذرة الخردل هي أخف ذرات العناصر أجمع)، (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(لقمان: 19)). فكل إنسان كفة ميزانه من الحسنات في الآخرة تختلف في وزنها عن كفة غيره من الدقة بمكان ربما بوزن ذرة خردل أو أقل أو أكثر (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سبأ: 3)). ولهذا يكون موقع أي إنسان في الجنة وفق ما تزن كفة حسناته في ميزان رب العالمين في الآخرة. ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة.
 
قال الله في كتابه العزيز ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 133)). هنا قال الله تعالى وسارعوا، أي أسرعوا وليس تسابقوا لأنه خاطب المتقين والتقوى هي أعلى درجات الإيمان والمتقين لهم منزلة خاصة عند ربهم. فطلب الله منهم أن يسرعوا في الحصول على مغفرة ربهم وفي دخول الجنة ليتمتعوا في موقعهم المحجوز لهم في الجنة والذي أعده الله لهم ووعدهم فيه (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الأعراف: 44)). اللهم إجعلنا ومن نحب ممن يفوزون برحمة الله وجنته وأبعدنا عن النار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد