امرأة تحول دراجتها النارية إلى تاكسي

mainThumb

18-08-2022 06:55 AM

لبنان في عتمته يتخبط وأولاده يحاولون كل بطريقته إنقاذ نفسه من بين أنياب الفقر والذل، والفساد، والجوع، والتشرد. لا سلطة تمنح اللبنانيين حقوقهم. ولا أمل يرفرف في الأفق البعيد. نفتح شاشات التلفزيون لتهبط على مسامعنا كل الأخبار المحبطة والبائسة واليائسة. أخبار لا يُنصح بها أصحاب القلوب الضعيفة كي لا يصابوا بجلطة توقعهم أرضاً.



أخبار سيئة بالجملة

«إجراء سيرفع الأسعار»، «الأمن الغذائي في خطر»، «هستيريا في الأسعار»، «أكوام النفايات تتكدس. وشكوى»، «لبنان يتجه بخطى سريعة نحو عتمة شاملة».
في ظل ذلك الوضع المتردي أصبح البلد ينطبق عليه مثل «حارة كل مين إيدو إلو». كل فرد يسعى جاهداً لإنقاذ نفسه وعائلته. ولكل فرد طريقته في حل المشكلة. قصص كثيرة انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس معاناة اللبنانيين وكيفية مواجهة الأفراد للعاصفة التي تهز البلد من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، مروراً بالعاصمة بيروت.
من بين تلك الحكايات برزت قصة أم لبنانية استخرجت من ضعفها قوة ومن العتمة نوراً ولم تستسلم للظروف الصعبة، بل أظهرت صلابة نادرة في مواجهة المحن. إنها رنا كرزي، أم لولدين ومثال حي للمرأة اللبنانية التي لا تهزم أبداً. لقد حولت دراجتها النارية إلى تاكسي خاص بالنساء لإعالة أسرتها. لم تهتم بنظرة المجتمع الضيقة لامرأة تحدت العادات البليدة المتعارف عليها وكسرت القيود لتؤمن لقمة العيش لأسرتها الصغيرة.
تركب دراجتها لتدور في شوارع العاصمة غير أبهة بالحر والتعليقات السلبية التي قد تنهال عليها. هدفها الوحيد إنقاذ أسرتها في زمن صعب لا يهزمه سوى الأبطال مثلها.
تعمل جاهدة ليل نهار من السابعة صباحاً حتى السابعة ليلاً لتبرز للعالم صورة المرأة الحديدية التي لا تضعفها المصاعب، بل تزيدها قوة وإصراراً على المواجهة والتحدي.
جاءتها الفكرة بعد أن خسرت عملها أيام الثورة. هكذا قررت أن تستخدم دراجتها النارية كسيارة أجرة مخصصة للسيدات. كتبت إعلاناً على الـ»سوشيال ميديا» ولاقت رواجاً واستحساناً للفكرة وتشجيعاً من نساء كثيرات. وقد علّمت ابنها وابنتها على المكافحة والجهد في سبيل تأمين حياة كريمة. هكذا ساعداها في مشروعها الجميل.
تقود دراجتها بحذر شديد وتعتبر الصبية التي تركب خلفها مسوؤلة منها وتصبح في حمايتها إلى أن توصلها إلى المكان المتفق عليه.
ولم تكتف بتحويل دراجتها النارية إلى تاكسي، بل طورتها بتركيب خيمة صلبة فوقها كي تحمي نفسها والركاب من مطر الشتاء وحر الصيف وهبوب الريح. تشعر رنا بالفخر والاعتزاز لأنها كسبت مع الأيام محبة الناس واحترامها لجهودها. فهي مثال للمرأة اللبنانية القوية الصابرة والمتحدية للأزمات.
ومن حكاية امرأة قوية إلى حكاية أخرى مخيفة بعض الشيء. فلكل مواطن طريقته في مواجهة الصعاب وذلك يعتمد على حدة أزمته وتحمله النفسي والعقلي للجنون الذي يجتاح البلد.

لبنان فيلم رعب مخيف

إنه مواطن يائس. مَرضُ والده الذي يتطلب علاجاً وأدوية ودفع فواتير هائلة للمستشفى، كان كفيلاً بوصوله إلى حالة غير متزنة ودفعه لاقتحام البنك الذي يودع فيه أمواله. هكذا دخله مسلحاً وأغلق أبواب البنك ورمى البنزين في أنحاء متفرقة على الأرض، وحبس كل الموظفين في غرفة مطالباً بإعطائه أمواله التي يحتجزها البنك منذ بداية الأزمة.
من يسمع القصة يعتقد أنها أحد أفلام الأكشن الكوميدية لعادل إمام، لكنها في الحقيقة دراما لبنانية لا تنتهي ولن تنتهي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي حضرة طبقة حاكمة لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية.
إنه الغضب الذي يسيطر على شريحة كبيرة من اللبنانيين يتجسد في ذلك المواطن الثائر.
نعم إنه تصرف غير مسؤول ويعاقب عليه القانون، ولكن ماذا ننتظر من شعب مهزوم؟
وماذا نفعل أمام مرض أهلنا وأبنائنا وعدم القدرة على دفع فواتير المستشفيات؟
ماذا نفعل أمام عجزنا عن إنقاذ من نحب؟ هل نراقب رحيلهم بهدوء؟ هل نغني لهم أغاني الوداع وندفنهم في صمت مرير؟!
«هل المواطن سطا على البنك أم أن البنوك هي التي تسطو على المودعين؟»، كما كتب أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تعليقه على الحادثة.
وفي تعليق آخر كتب أحدهم: «إنه مثال كاشف للصراع بين المواطن والدولة التي نهشها غول الفساد، وبرونات الألعاب السياسية وأساطين الفتن، وتروس التعطيل، المكلفين بإخراج البلد من أعتاب المستقبل ليتركوه وحيداً كي يتآكل ذاتياً.
وقد أصدرت جمعية المودعين بياناً تقول فيه: نحمل مسؤولية ما يحصل لأصحاب المصارف والحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان مجتمعين. ونؤكد أن ابتزاز المودعين وسرقة جنى عمرهم سيؤدي إلى مزيد من ردات الفعل التي لا يمكن التنبؤ بها.
البلد يغلي كما تغلي القهوة العربية على نار هادئة. قسم من الشعب قد يجد حلولاً للتمسك بالحياة، كما فعلت رنا، التي نفتخر بها جميعنا، وقسم آخر سيفور وقد يصل إلى الجنون ولا يمكن لأحد أن يوجه لهم اللوم بعد فقدان كل أمل في الحياة.

كاتبة لبنانيّة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد