أحجية نظرية التطور

mainThumb

26-09-2022 07:56 AM

هب أن زلزالا أو اعصار ا أو فيضانا أقتلع منزلا خشبيا بسيطا في غابة ما ؛لا مراء أن عملية إحالته إلى حطام عبر هذه القوة العمياء لن تستغرق إلا لحظات معدودات؛ رغم أن صاحبه قد يكون استغرق في بنائه شهورا.. وهنا يمكن أن نطرح سؤالا على دعاة التطور المؤمنين بكون الحركة العشوائية لقوى الطبيعة هي التي خلقت عبر مليارات السنين من التفاعلات كل الكائنات الحية التي وجدت على هذه الأرض.. هذا السؤال هو: كم من الزمن يمكن أن تحتاجه الأعاصير أو الزلازل أو الفيضانات أو غيرها من قوى الطبيعة التي تسببت في تدمير هذا البيت الخشبي لتعيد عبر حركتها العمياء تجميع نفس القطع التي تناثرت منه في نفس مكانها؟ ثم ..كم من الزمن تحتاجه هذه القوى لتبني لنا من هذه القطع الخشبية بيتا مشابها للبيب الذي حطمته في لحظات؟
وإذا ما اعترض معترض باستحالة إمكانية تجميع نفس القطع في نفس المكان .. فلنيسر الأمر و لنطرح عليه نفس السؤال بطريقة أكثر سهولة .. كم من الزمن تحتاجه قوى الطبيعة تلك حتى تجمع قطعا خشبية مشابهة في حجمها وشكلها للقطع التي حطمتها في أي بيت من البيوت الخشبية التي كثيرا ما حطمتها هذه القوى؟ ثم كم من الزمن تحتاجه بعدها لتركيب هذه القطع في صورة بيت خشبي صالح للسكن مرة أخرى؟ هل ثمة احتمال أن تمنحنا قوة ما من قوى الطبيعة العمياء منفردة أو حتى كل قوى الأرض مجتمعة بيتا خشبيا بسيطا، حتى لو غطينا لها سطح اليابسة عن بكرة أبيها بقطع من الأخشاب من كل شكل وحجم، ثم منحناها مليارات السنين من الزمان لإنجاز هذه المهمة البسيطة التي ينجزها إنسان واحد ربما في شهور؟
الإجابة المنطقية تقول: إن هذا الاحتمال هو أمر محال. وهنا يثور سؤال هو: لماذا؟ الإجابة: لأن ما يمكن أن تراكمه اليوم قوة ما من هذه القوى (الأعاصير مثلا )من كتل خشبية تقتلعها من هذا البيت، أو ذاك.. أو حتى التي تهشمها من أشجار الغابات عبر حركتها العشوائية، حتى لو كانت كافية لبناء مليون بيت .. ستفتك بها هي نفسها غدا وتبعثرها في كل مكان، بل وستحطمها عبر ما تحدثه من تصادم عشوائي بين هذه الكتل الخشبية فتحيلها مع مرور ملايين السنين إلى شظايا .. وإن سكنت تلك الأعاصير ولم تفتك بها يوما ما، فسوف تفتك بها قوة أخرى من القوى المهيمنة على عالم المادة مثل: الفيضانات أو البراكين او الحرائق أو غيرها من القوى.. وهو ما يجعل إمكانية تجميع شظايا هذا المنزل مرة أخرى وتركيبها على نفس الصورة التي كانت عليها أمرا محالا؛ ولو استمرت هذه القوى في سعيها لتحقيق هذا الهدف مليارات السنين.. ذلك لأن ثمة حقيقة تتعلق بهذه القوى العمياء ونراها بأم أعيننا؛ ألا وهي أن هذه القوى ذات قدرة مذهلة على هدم كل شيء يقف في سبيلها ..لكنها لا تعرف للبناء سبيلا.
ولإدراك علماء نظرية التطور لتلك البدهيات فقد كان من الطبيعي ألا يقعون مطلقا في فح ما يناقضها .. لذا لم نسمع أن أحدا منهم قد أدعى أن الطبيعة؛ وخلال تفاعلات قواها المادية عبر عمر الكرة الأرضية الذي يمتد لمليارات السنين قد طورت من المكونات المادية التي تغطي سطح الكرة الأرضية بيوتا حجرية او خشبية مثلا، أو منحتنا تماثيل أو مجسمات حجرية أو معدنية عبر ما مرت به أعداد لا تحصى من الكتل الخشبية أو الحجرية أو المعدنية من عوامل تعرية وتأكل ونحت بسبب تعرضها لرياح وأعاصير وفيضانات ورطوبة ممزوجة بدرجات حرارة معينة و ضغط جوي متقلب، ومن تفاعلات كيميائية، ومن ضربات لا تنتهي من قبل كتل حجرية أو خشبية أو معدنية أكبر منها وأقوى ..تحملها لها الأعاصير أو الفيضانات أو الزلازل.أو غيرها
وعلى الرغم من أن علم الاحتمالات لا يستبعد إمكانية أن نجد ولو عددا قليلا من بين مليارات الكتل الحجرية أو الخشبية مختلفة الاحجام التي تغطي مساحات هائلة من الكرة الأرضية وقد أخذ شكل تمثال لإنسان أو لحيوان أو أخذ شكل آلة مثل فأس أو سكين أو سيف أو حتى رحى حجرية أو غيرها من الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان البدائي.. أو وجد في صورة مجسم مما تصنعه الطيور أو الحشرات مثل عش طائر أو بيت عنكبوت أو خلية نحل .. أو غيرها من تلك الاشكال البسيطة، عبر التفاعلات التي كابدتها مكونات سطح الكرة الأرضية خلال مليار ات السنين مع قوى الطبيعة الهائجة والعمياء. على الرغم من إمكانية ذلك ويسره إلا أن أي من علماء نظرية التطور –والتزاما بالمنهج التجريبي القائم على الدليل العلمي، لم يقل بمثل هذا الادعاء.. نظرا لأنه لم يتم العثور على أي نموذج من هذه النماذج أو المجسمات دون أن يكون ثمة إنسان أو كائن حي ما هو الذي صنعه .. وبالطبع.. هذه موضوعية علمية تحتر م بشدة وترفع لها القبعة.
غير ان هذه الموضوعية العلمية- وللأسف العميق- لأصحاب نظرية التطور وعدم ادعائهم أن قوى الطبيعة تستطيع أن تمنحنا من هذه التشكيلات المادية البسيطة شيئا .. لا تلبث أن تتلاشى وبشكل يصيب العقل السوي بالدوار، وذلك حينما يذهبون إلى إدعاء مذهل ألا وهو أن قوى الطبيعة لم تستطع أن تمنحنا –بالفعل - من هذه المجسمات المادية البدائية شيئا .. غير أنها ، منحتنا عددا لا يحصى من الكائنات الحية التي تعد شروط إيجادها عبر الحركة العشوائية لقوى الطبيعة أكثر تعقيدا بملايين المرات من شروط إيجاد مجسمات مادية بدائية.
ويكفي لمعرفة مدى ذلك التناقض العقلي المذهل أن نشير إلى يقينهم بأن قوى الطبيعة التي عجزت عن منحنا مجسما واحدا ساذجا قد منحتنا بداية خلية تتكون من 100 ترليون ذرة( وفقا لتقديرات علماء بجامعة واشنطن لعدد الذرات التي تتكون منها الخلية الحية) كل ذرة من هذه الذرات اتحدت في ترابط مذهل لتشكل مع عدد ما من الذرات الأخري مليارات الجزيئات، كل جزيء من هذه الجزيئات يسهم في إنجاز مهمة محددة له سلفا في ألة ما من آلات هذا المصنع العملاق و الخارق التعقيد الذي يسمى الخلية، كل ذلك في مساحة تتراوح ما بين 1-100 ميكرو متر (واحد على الأف من المليميتر ) ثم لا يقف الأمر عن كون هذه الجزيئات تتأزر معا لتمنحنا بناءا آليا ميتا كما هو حال عندما تتجمع جزئيات الحديد لتمنحنا كتلة يشكل منها صانع آلة ما (كماشة مثلا) ثم ينتهي دور هذه عند ذلك .. بينما تمنحنا تلك الجزيئات خلية حية تقوم بعدد ضحم ومذهل من العمليات الحيوية التي تحتاج إن أراد البشر محاكاتها لمصنع عملاق يشرف عليه ألاف الخبراء والمهندسون والفنيون الأكفاء.
ورغم أن انجاز بعض مهام الخلية الحية يمكن لمصنع بشري عملاق–نظريا- محاكاته إلا إن الأمر المستحيل محاكاته في مهامها-ولو بعد مليار عام - هو ان ينسخ خبراء ومهندسو هذا المصنع وفنيوه نسخة بكل هذا المصنع بما فيه أنفسهم.. ولو اعطيناهم من الزمن ملايين السنين.. نعم يمكن ان ينجح المهندسون والفنيون في نسخ الآلات والهيكل العام للمصنع وهو امر ربما يتطلب جهدا خارقا.. غير أن المحال في عملية النسخ هذه هو ان ينسخ المهندسون و الفنيون انفسهم لتقوم هذه النسخ الجديدة منهم للاشراف على إنجاز العلميات الحيوية المعقدة في المصنع الجديد.
غير أن الاستحالة لم تتوقف عند ذلك الحد وإنما ثمة ضرورة لهذا المصنع الجديد لأن ينقسم ليخلق منه مصنعا جديدا متكاملا بكل مكوناته بما فيه الخبراء و المهندسون و الفنيون وهكذا على نحو يتكرر ملايين المرات ..ثم تتجمع كل مجموعة مليونية من هذه المصانع لتشكل مصنعا أكبر لتشكل معا بناءا واحدا يؤدي مهمة محدة في كيان ضخم يسمى الكائن الحي مثل التنفس أو الهضم أو الاخراج.. ثم مطلوب أن تتأز مئات الأبنية معا- وكل ذلك في وقت واحد- لتمنحنا في النهاية كائنا حيا متكاملا قد يحوي من تلك المصانع الرئيسة "الخلايا" (كما في الجسم البشري) ما بين 75 إلى 100 ترليون مصنعا أو خليه حية؛ تتأزر كلها معا في تناسق بديع لتمنحا ذلك الكائن الحي الذي نسميه انسان .. وقد يزيد هذا العدد أو ينقص ليمنحنا كائنا حيا اخر أضخم أو اقل ضخامة من الانسان .. بداية من الأمبيا وحيدة الخلية انتهاء إلى الحوت الأزرق الذي قد يصل وزنه إلى 200 طن.. وهو ما يعني أننا امام عدد خارق من الخلايا التي تتازر معا في تناغم عجيب لتمنحنا هذا الكائن المذهل.
وهكذا.. فإن الوضعية السالفة التي يقر العقل التطوري باستحالة قدرة قوى الطبيعة وقوانينها على أن تمنحنا بيتا حشبيا أو تمثالا لكائن حي من الحجر أو حتى سيفا أو سكينا..مع التأكيد التام والقطع الجازم بكونها منحتنا عددا لانهائي من الكائنات الحية ذات التعقيد الخارق.. أن الوضعية تلك تجعلنا كمن يريد أن نصدق أحجية تقول لنا أن ثمة طفلا عمره سنوات ثلاث لم يؤهله نموه العقلي بعد أن يقدم لنا حلا لمسألة بسيطة في جدول الضرب مثل 3X 3 لكنه يستطيع وبكل براعة أن يقدم لنا حلولا نهائية لكل المعادلات المعقدة في فيزياء الكم والنسبية ونظرية الأوتار الفائقة .. .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد