صحوة الضمير الفرنسي بشأن قطر

mainThumb

06-10-2022 01:21 PM

فجأة ودون سابق إنذار، وقبل بضعة أسابيع فقط من انطلاقة كأس العالم في قطر، استفاق ضمير بعض المنتخبين المحليين في فرنسا خاصة في مرسيليا، بوردو، نانسي، ريمس، ستراسبورغ، ليل، وأخيرا باريس، وبدأت الأصوات تتعالى في سيناريو يبدو محضرا له منذ مدة، للتشويش على أول مونديال يحتضنه بلد عربي ومسلم ، حيث أعلنت هذه البلديات تباعا امتناعها عن تخصيص أماكن للمشجعين تعرض فيها مباريات المونديال على شاشات عملاقة، كما جرت العادة، بحجة عدم احترام قطر لحقوق الإنسان، وما يشاع عن وفيات بين العاملين في منشآت المونديال القطري، فضلا عن تبذير الطاقة في وقت تمر فيه أوروبا بأزمة غاز بسبب الحرب في أوكرانيا، لذلك لا يمكن الترويج لحدث رياضي تحوّل في نظر منتخبي بعض البلديات الفرنسية الى كارثة إنسانية وبيئية لا تتوافق مع قيم الرياضة في بلد لا يحترم حتى قيم “الحرية والمساواة والأخوة” التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية.
المقاطعون لمونديال قطر بلغوا درجة وصف من يسمحون بعرض مباريات المونديال في الساحات العمومية بأنهم بمثابة شركاء في الجريمة، ربما يقصدون الجريمة التي ارتكبتها قطر عندما تجرأت على الترشح، وفازت بتنظيم المونديال ، وصارت قبل أقل من شهرين عن الموعد جاهزة لاستضافة العالم، في بلد صغير الحجم والتعداد ، دخل ملعب الكبار، ورفع سقف التحديات عاليا، ملتزما بكل الشروط التي يفرضها دفتر أعباء التنظيم، ومؤكدا كل مرة احترامه للقيم والمبادئ الإنسانية، والتنوع الحضاري والثقافي العالمي، وبأن الحصيلة الرسمية لعدد الوفيات في أوساط العمال لم تتجاوز ثلاثة أشخاص مع تسجيل إصابة العشرات بشهادة منظمة العمل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والعمال. كما أن قطر لم تكن أبدا سببا في أزمة الطاقة التي يشهدها العالم حاليا، بل تساهم في حل المشكلة من خلال زيادة إنتاجها وتوسيع شبكات التوزيع لتمويل عديد البلدان الأوروبية بالخصوص .
التحليلات الأولية خلصت الى أن ما توصف بمقاطعة بعض البلديات الفرنسية هي امتداد لحملات سابقة انطلقت سنة 2010 من فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية التي لم تتقبل فكرة تنظيم كأس العالم في بلد عربي ومسلم، قام بتعديل قانون العمل لأجل رعاية العمال وحماية البيئة في الوقت ذاته، لكنه لم يسلم من الهجمات والانتقادات الغربية التي طالت الصين عندما نظمت أولمبياد 2008، وروسيا بمناسبة مونديال 2018 ، في سياق سياسي عنصري أكثر مما هو رياضي يروج للحقد والكراهية، ولا يرى سوى الغرب قادرا على تنظيم الأحداث العالمية ، في وقت يدعي الدفاع عن مثل الحرية والمساواة والأخوة، وفي وقت رحبت بلدية باريس ذاتها بالاستثمارات القطرية في نادي باريس سان جرمان سنة 2011 ، والتي بفضلها تحول النادي الى ماركة عالمية تستقطب رؤوس الأموال ونجوم الكرة العالمية، وتستحوذ على البطولات المحلية .
بعض المحللين الفرنسيين أشاروا الى ازدواجية التعامل الرياضي وحتى السياسي، ومحاولات تسييس القضية من طرف بعض المنتخبين المحليين الفرنسيين الذين يحاولون الظهور بمظهر المدافعين عن القيم والحقوق عشية مواعيد انتخابية قريبة، لكن الحقيقة أن بعضهم لا يريد إنفاق 100 ألف يورو تكلفة تهيئة ساحات للمشجعين، وتوفير شاشة تلفزيون عملاقة، وآلاف أخرى تكلفة طاقة كهربائية، ويتخوفون من أعمال عنف وشغب تصاحب التجمعات الجماهيرية، خاصة أثناء مباريات المنتخب الفرنسي، والمنتخبين التونسي والمغربي، أما صحوة الضمير الفرنسي والدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة، وحقوق العمال، وحتى حقوق الإنسان، وحماية البيئة، فهي مجرد عناوين لشعارات جوفاء يجب تطبيقها في فرنسا التي يموت فيها عشرات الأشخاص من المهاجرين العرب والأفارقة في مواقع بناء أقل منها في قطر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد