صعود اليمين الإسرائيلي… ما الذي ينتظر العرب

mainThumb

07-11-2022 12:33 PM

في مثل هذه الأيام قبل 27 عاما، قام الناشط اليميني المتطرف يغآل عامير، باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، بتحريض من نتنياهو وقوى اليمين، رغبةً في دفن عملية السلام مع الفلسطينيين.
تعاظمت قوة اليمين المتطرف على حساب اليساريين، إلى أن ظهرت معالم تنامي قوته جلية في ذلك الاكتساح الذي حققه نتنياهو وتحالف اليمين في الانتخابات الأخيرة، بما يجعلنا أمام توقعات لحكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال.
نتنياهو الذي وحّد صفوف اليمين وخاض به الاستحقاق الأخير، ورث توجهاته المتطرفة من عائلته، حيث إن والده هو المؤرخ بنتسيون نتنياهو الذي كرّس حياته لإقامة دولة يهودية، وآمن بأن قوتها هي السبيل الوحيد لأن يفقد العرب أي أمل في القضاء عليها، وهو ما سماه القيادي الصهيوني الشهير زئيف جابوتنسكي (1880-1940) بالجدار الحديدي. ومن هنا صاغ نتنياهو رؤيته التي سماها بالمثلث الحديدي في الحفاظ على الدولة اليهودية، بناء على إيمانه بأن القوة هي التي تجلب السلام، تتحقق هذه الرؤية باندماج القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، لمواجهة التحديات التي تواجهها دولة الاحتلال. مفتاح الاستقرار والسلام للدولة اليهودية لدى نتنياهو باعترافه هو، القوة الصلبة، والاستخدام الحكيم لها، وهي التي استطاع من خلالها فرض التطبيع والابتعاد بدولته عن كونها دولة مجذومة، وإلغاء الفيتو العربي على التطبيع مع حكومة الاحتلال. حصل حزب نتنياهو (الليكود) على 32 مقعدا، وتحالف الصهيونية الدينية برئاسة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش على 14 مقعدا، وحركة شاس برئاسة أريه درعي على 11 مقعدا، وحزب يهدوت هتوراة برئاسة موشي غافني على 8 مقاعد، بما يعني حصول المعسكر اليميني المتطرف على 64 مقعدا في البرلمان، بأغلبية مريحة. تعكس هذه النتائج، توجه المجتمع الإسرائيلي باتجاه اليمين واليمين المتطرف، وذلك بعد تنامي وتغلغل ذلك التيار في المجتمع الإسرائيلي، وزيادة أعداء المتدينين بمختلف مستوياتهم، سواء القوميين والمحافظين والمتشددين (الحريديين)، وهو مؤشر على تفوق ملحوظ لفكرة يهودية الدولة على حساب العلمانية والديمقراطية.
نحن إزاء تشكيل حكومة إسرائيلية متطرفة، ويكفي أن نعلم أن زعيم تيار «عظمة يهودية» ضمن تحالف الصهيونية الدينية إيتمار بن غفير المعروف بعنصريته وتشدده الديني والمتورط في اقتحامات المسجد الأقصى والذي يطالب بضم أراضي الضفة الغربية كافة، ينادي بحقيبة الأمن الداخلي في تشكيل حكومة نتنياهو، وشعبيته الجارفة وسط المتدينين وجهوده الكبيرة في وصول المعسكر اليميني لهذه المرحلة، تضمن له الحصول عليها، إلا إذا نجح نتنياهو في إقناعه بالتخلي عن مطلبه تفاديا للدخول في عزلة دولية، أو مواجهة سخط أمريكي، في الوقت الذي يطالب شريكه في زعامة التحالف سموتريتش، بحقيبة الدفاع، علما أن الحريديين والتيار الديني المتشدد بمثابة طوق النجاة الذي سوف يتشبث به نتنياهو للنجاة من تهم الفساد التي تلاحقه، ومن ثم فهو مجبر على التماهي مع مطالب معسكر اليمين المتطرف، ما سوف ينعكس بشكل قوي وبصورة سلبية على الملف الفلسطيني والمحيط العربي. أغلبية هذا المعسكر لا يؤمن بالسلام والمفاوضات أو أي حلول سلمية مع الفلسطينيين، ويرى وجوب ضم كل الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وتنفيذ صفقة القرن وفق الرؤية الصهيونية، وتطبيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، بما يعني فترة أخرى من الاضطرابات في ما يتعلق بالمسجد الأقصى، الذي يشعل الأحداث في القدس.
ومن الطبيعي مع تنامي هذا التيار المتشدد، ستكون هناك فعاليات للمتدينين المتشددين في المسجد الأقصى تحت رعاية، أو صمت أجهزة الأمن لتلك الحكومة المتطرفة، وسوف نشهد مزيدا من محاولات المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى، لفرض أمر واقع للتقسيم الزماني والمكاني، الأمر الذي يفاقم من معاناة المقدسيين.
سوف تزيد القبضة الأمنية من بطشها لمواجهة المقاومة المتنامية في الضفة والقدس، ومن المتوقع توسيع دائرة الاعتقالات والمداهمات. ولنا أن نعلم أن زعيمي تحالف الصهيونية الدينية بن غفير وسموتريتش، كانا يركزان في البرنامج الانتخابي على ضرورة إعادة العمل بسياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، واستغلال التوتر في الضفة الغربية، لدفع جمهور المستوطنين واليمين المتطرف إلى دعم التحالف. ومن المتوقع كذلك، أن تزيد الضغوط الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية، ومطالبتها بتكثيف التنسيق الأمني والتصدي لأنشطة المقاومة في القدس والضفة الغربية، والاعتراف بمزيد من المستوطنات والتوسع الاستيطاني، الأمر الذي من شأنه أن يعمّق الفجوة بين السلطة والشعب الفلسطيني. وفي ما يتعلق بقطاع غزة، لا يتوقع أن يسعى نتنياهو للتحرش بالمقاومة الفلسطينية، والدخول في مواجهات غير محسوبة، خاصة أن ما يهمه حاليا التفرغ لإحكام السيطرة على الضفة الغربية. وعلى الصعيد العربي، سوف يواصل نتنياهو سياسة فرض التطبيع التي اشتهر بها، وحقق فيها إنجازات غير مسبوقة في السياسة الإسرائيلية، وتسريع وتيرة الخطى باتجاه تعزيز وتعميم الديانة الإبراهيمية.
ستكون الأنظمة العربية مطالبة بالاستجابة لعملية التطبيع، وتقديم تنازلات أكثر بهذا الشأن، خاصة أن حكومة نتنياهو أوجدت الصيغة التوافقية لتعميق وتمرير التطبيع، وهو مواجهة المخاوف العربية الإسرائيلية المشتركة للخطر الإيراني، يقابله مزيد من تسطيح وتهميش للقضية الفلسطينية. سوف تعمق هذه الاستجابة المتوقعة من الفجوة بين الحكام والشعوب، وربما يزيد من استهداف النخب الثقافية والسياسية والدينية داخل المجتمعات العربية الرافضة للتطبيع، وإلى مزيد من التضييق عليها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد