سياسة ارتجالية ..

mainThumb

18-01-2023 09:49 AM

كانت الجنود الغازية للعالم الجديد تصطف بكامل قوتها عدة وعتاداً، ينتظرون ردود الفعل البدائية للسكان الأصليين، وهم يعلمون أنهم يراقبونهم من خلال الأدغال، وما هي إلا لحظات حتى ينطلق محاربو القبائل حاملين أقواسهم وسهامهم معممين بريش الطيور، مطلقين أصواتا صارخة تغير ترددها كفوف أيديهم، فإذا دوى الصوت في أرجاء الغابة ظنوا أنه يخيف المحتلين المتوحشين، لكن الجيوش الغازية تبدأ بقنصهم بمجرد ظهور صوت زغاريد القائد المتقدم والمسرع إليهم ويُسكتون صوته وينتهي الأمر.. وتبقى طريقة المقاومة هي هي، لا تتغير ولا تتطور، حسب ما صوره لنا الإعلام الأميركي..!! طبعاً نحن لا نعرف حقيقة هذه الصورة، هل هي حقيقية أم ملفقة، وقد يكون استخدمها الإعلام الأميركي من أجل الاستهزاء بسكان أميركا الأصليين، الذين بالتأكيد قاوموا التوحش الغربي بكل ما أوتوا من قوة وإمكانات، لكن طرق مقاومتهم لم تكن ناجعة وإلا لأجبروا المحتلين على التراجع..
لعل أكبر نقطة ضعف عند قبائل الهنود الحمر هي "الطيبة" -التي يدعيها الحالمون في هذا الزمن- طيبة أهل أميركا الأصليين هي التي مكنت الأوروبيين المتوحشين منهم حتى أفنت معظمهم وأفقدتهم أنفسهم وبلادهم الشاسعة.
‏لماذا لم يجتمع الهنود الحمر، وينظموا أنفسهم -فهم يملكون الأرض والانسان-، لماذا لم يكوّنوا رأياً عاماً في قبائلهم لصد المحتل، وينظموا أفرادهم ليكونوا كتلة واحدة تصد الهجوم حتى لا يركنون للغزاة، ويمكنونهم من رقابهم ويكونون هم السم الذي أبادوا به شعبهم واستأصلوا شأفتهم بأنفسهم.

‏لكن للأسف لم تكن تلك الشعوب البسيطة تعرف تنظيم الصفوف واختيار القيادات، والتخطيط للوصول إلى الهدف.. ولا تعلموا كيف يُظهرون تحركات تخدع العدو، ولم يقاوموا خبث الغرب وإجرامه بالعمل السري بأن يخفوا حركتهم وأهدافهم حتى تقوى شوكتهم ويجروا الغزاة إلى مصرعهم عبر الأدغال..
‏كانوا يعملون بنظام "الفزعة" والفزعة أسوأ نظام ممكن أن تستخدمه الشعوب المدافعة عن نفسها، فنظام الفزعة يعرف الهدف ويتحرك إليه بسرعة، لكنه يفتقر للتنظيم والترابط بين الأفراد المهاجمين، فالأفراد كثيرون لكن كل واحد منهم يهجم منفرداً مكشوف الصدر ولا يحدد معالم عدوه فيكون صيداً سهلاً..
‏ نظام الفزعة مصنوع "للهوشات" المحدودة ولا يمكن يكون ذا فائدة في مقارعة الجيوش المنظمة، والحكومات الفاسدة، أو القراصنة المنظمين والمتوحشين.
‏وهذا النمط من المقاومة لن يفيد السياسي، المتأثر بصورة الهنود الحمر في الإعلام الأميركي.. ولن تفيده الأصوات التي يطلقها من فمه حتى لو استخدم يده ليجعلها تتردد وتخيف الخصم، وهو باندفاعه البدائي لن يستطيع اكتشاف القناصين المتربصين به حتى لو كان هو ابن الأرض والعارف بشعابها..
‏الغرب المتوحش تمرس في مقاومة نظام الفزعات العسكرية والسياسية الصادرة من أبناء المستعمرات، لذلك استمرت سيطرة الاستعمار عليهم حتى تلاشت قوتهم ولم يبق منهم إلا أصوات هجومهم تتردد في جنبات الغابات الراحلة..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد