حين غيّرت الرواية رأياً عامّاً ..
«العتم عند الظهيرة»، روايته الأهمّ، أنجزها في فرنسا عام 1940، متأثّراً بمحاكمات «التطهير الكبير» في موسكو و«الاعترافات» الكاذبة التي انتُزعت. تأثّر خصوصاً بإعدام القياديّ البلشفيّ نيكولاي بوخارين الذي ذهب النقّاد إلى أنّه مصدر استلهام شخصيّة بطله روباشوف.
فروباشوف هو أيضاً قياديّ ومُنظّر حزبيّ، اعتُقل إبّان «التطهير الكبير»، وأُجبر، عبر عدّة جلسات تحقيق، على «الاعتراف» بجرائم والإعداد لأخرى، بما فيها قتل «الرقم 1»؛ أي ستالين. حين اعتُقل كان نائماً يحلم بأنّ الغستابو النازيّ اعتقله، إلاّ أنّ رفاقه هم الذين فعلوا.
بعد نقله إلى الزنزانة 404 وحرمانه الطعام والأقلام والسجائر، جعل يتواصل مع الآخرين من وراء الجدار وبلغة كوديّة، كما صادقَ قيصريّاً مسجوناً في الزنزانة 402، بعد جفاء وتوتّر مصدرهما الافتراق السياسيّ القديم. لكنّ الصلة تلك نبّهته إلى ما يربطه بالمساجين كائناً ما كان لونهم السياسيّ.
وعلى مدى الرواية عانى روباشوف ألماً في ضرسه الأيمن، ما بدا مؤشّراً على حالة عاطفيّة وتذكيراً بماضٍ كان حافلاً بالتخلّي والخيانات: ذاك أنّ وطأة ذاك الماضي ثقيلة عليه، وهو إذ يمشي في الزنزانة يسترجعه ويفكّر بالرقم 1، متذكّراً كيف جلسا معاً على طاولة واحدة إبّان التحضير للثورة، وكان حينذاك مسؤولاً حزبيّاً رفيعاً. يتذكّر أيضاً «لوي الصغير» الذي كرّس حياته للحزب وعانى الكثير من جرّاء نضاله، ثمّ أدانه الحزب وسجنه فشنق نفسه.
من يحقّق مع روباشوف رفيقٌ قديم شاركه القتال في الحرب الأهلية، اسمه إيفانوف، لكنّه بات يتّهمه بالانتساب إلى مجموعة معارضة متآمرة. بيد أنّ روباشوف يردّ على هذا العالم السجنيّ والتآمريّ بملاحظات يدوّنها، فيكتب أنّ الحزب كان يصنع التاريخ، لكنّه اليوم لا يصنع إلّا السياسة، وأنّ التاريخ لم يعرف مطلقاً هذا الكمّ من التسلّط على المستقبل متجمّعاً في هذا العدد الضئيل من الأيدي. كذلك يروح ينصت إلى الطبيعة، فحين سُمح له مرّةً بالتريّض تساءل: لماذا لم أستمتع قبلاً بالثلج ونظافة الهواء النقيّ؟ وأخيراً، وهو ما يتكرّر في الرواية، يجلس طويلاً أمام صورة العذراء مريم حاملةً جثّة ابنها ويتأمّل.
إيفانوف ناقش زميله غلتكِن لإقناعه بأهميّة الوسائل الألطف في الاستجواب والمعاملة. لكنّ غلتكن، المولود مع الثورة والذي لا يعرف شيئاً قبلها، تمسّك بالسلوك الجلف معيّراً إيفانوف بالأخلاقيّة، والأخير لم يلبث أن اعتُقل ثمّ قُتل، فيما حلّ غلتكن محلّه في التحقيق الذي صار أشدّ عبثيّة.
في هذه الغضون يمضي روباشوف في تأمّلاته واسترجاع الماضي. فهو حين كان حزبيّاً لم يؤمن بالفرد وقضى أربعين سنة يتحدث عن «النحن»، معتبراً أنّ «الأنا» «خرافة قواعديّة»، ليكتشف أنّ لكلّ منّا كياناً داخليّاً و«أنا» فريدة. وهو تذكّر حبيبته السابقة أرلوفا وكانت حزبيّة مخلصة أتلفت كتب الزمن القديم واستبدلت بها كتباً جديدة، لكنّها، مع هذا، طُردت من عملها وأُعدمت. روباشوف لم يحاول منع إعدامها ولم يتدخّل، قانعاً بالتضحية بها لمصلحة الحزب ومصلحة صورته الحزبيّة، وهو أيضاً ما فعله حيال الشيوعيّ الشابّ ريتشارد الذي انتحر.
لكنّ روباشوف، وإن كان يحتقر غلتكن كوافد جديد وشبه أمّيّ إلى حزب أسّسه مثقّفون، فقد استسلم له ولمنطقه، فكأنّ عدم قطعه مع المرجعيّة الفكريّة المشتركة وفّر للمحقّق الدوغمائيّ والمتصلّب سلاحاً ضدّه، هو النقديّ المُراجع.
هناك، في الاستجواب، جيء بشخص اسمه هاير ليب يُفترض أنّه التقى روباشوف (الذي لم يتذكّره)، وأنّ الاثنين خطّطا لقتل «الرقم 1»، وهذا فيما غلتكن يسلّط ضوءاً قويّاً على وجهه ويحرمه النوم. وبالفعل فبعد انهياره، «يعترف» روباشوف بأنّه ارتكب جرائم مناهضة للثورة، ويُحكم عليه بالموت، وبالمسدّس يُنفّذ الحكم. لكنْ فجأة، يغدو كلّ شيء هادئاً، ولا يحضر من بعيد إلّا البحر مصحوباً بصوت الموج البطيء، وحاملاً له شعوراً بالأبديّة، فكأنّ شعوراً خلاصيّاً ما استحوذ عليه عند موت أوهامه، ولو أنّ موته الشخصيّ رافق ذاك الموت.
فـ«العتم عند الظهيرة» بمثابة سيرة ذاتيّة لاشتغال الفكرة التوتاليتاريّة وتحوّلها، في الواقع، إلى مجزرة، وهو جملة أسئلة تطال الشكّ واليقين، كما تسائل الماضي وفرص التواصل مع الآخرين، ومع الزمن والطبيعة، في عالم من القهر والمحاكمات الصوريّة والاعترافات الكاذبة وظروف الاعتقال غير الإنسانيّة وبسيكولوجيا الطغيان. وكوستلر، الذي لم يركّز كثيراً على التعذيب الجسديّ المعروف منذ أزمنة سحيقة، ركّز على «إقناع» المضطهَدين بإدانة أنفسهم ونبذها كممارسة يجتمع فيها الحديث والدينيّ.
في الأحوال كافّة بيع من الرواية 400 ألف نسخة بُعيد صدورها في فرنسا عام 1946، واعتُبرت من عوامل إضعاف الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ القويّ وتقليل حظوظه السياسيّة. وفي بريطانيا، لم ينتشر الكتاب كما في فرنسا، لكنّه هزّ الحياة الثقافيّة، لا سيّما في بيئة حزب العمّال ودوائر اليسار التي زادت تحفّظاتها على النموذج السوفياتيّ. وإذ تُرجمت الرواية إلى ثلاثين لغة، وذاعت شعبيّتها بعد الحرب الباردة، خصوصاً في الولايات المتّحدة، جاء المؤتمر العشرون للحزب السوفياتيّ في 1956 يعزّز صدقيّتها ضدّاً على تشكيك الشيوعيّين وأصدقائهم من كبار مثقّفي فرنسا. غير أنّ انتهاء الحرب الباردة الذي أنهى صلاحيّة أعمال «أدبيّة» كثيرة رافقتها، لم يُنهِ صلاحيّتها، مثلها في ذلك مثل أعمال جورج أورويل. فهي تتجاوز زماناً ومكاناً وظرفاً لتشكّل حالة، أو أنّها، كما يقول الفرنسيّون، رواية تحمل نظريّة(Roman à these) . أمّا كوستلر فبات من مؤسّسي «مؤتمر الحرّيّة الثقافيّة» في 1950 الذي موّلته، من وراء الستار، وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة. هل كان يمكنه ألّا يفعل؟
الأردن يواصل إرسال المساعدات الإنسانية لغزة
السيطرة على تمدد حرائق اللاذقية بدعم إقليمي واسع
في خطوة مفاجئة .. OpenAI تؤجل إطلاق نموذجها المفتوح
نموذج ذكاء اصطناعي يحاكي حياة لاجئين
الخارجية الفلسطينية تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي فورًا
إجراءات جديدة لمعالجة الازدحام على جسر الملك حسين
الرئيس الإيراني أصيب في ساقه خلال الهجوم الإسرائيلي
مستوطنون يقتحمون الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
برنامج الأغذية العالمي يثمّن دعم بريطانيا الجديد
إغلاق ثلاث مشاغل غير مرخصة لتصنيع الأجبان المخالفة
نقيب الصحفيين يبحث مع مدير مهرجان جرش سبل التعاون
الأونروا تحذر من كارثة إنسانية في غزة
البلقاء التطبيقية تستحدث برنامج ماجستير في التشريح والأنسجة
استدعاء 350 مالك شاليه بجرش لهذا السبب
مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية .. أسماء
بتوجيهات ملكية .. طائرة إخلاء طبي لنقل عائلة أردنية من السعودية
مهم من التربية بشأن تصحيح امتحانات التوجيهي
مهم من الحكومة بشأن انخفاض أسعار البنزين وارتفاع الديزل والكاز
تفاصيل القبول الموحد في الجامعات الأردنية لعام 2025
دفعة تعيينات كبيرة في وزارة التربية - أسماء
تحذير مهم من مهرجان جرش للجمهور
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور
ما حقيقة فرض عمولات على تحويلات كليك للافراد
تكفيل النائب الرياطي ومنعه من السفر
موجتا حر في تموز 2023 وحرارة تصل الى 40 درجة مئوية
اتفاقية أردنية-أمريكية بقيمة 39 مليون دولار .. تفاصيل