فضفضة

mainThumb

12-03-2023 12:30 PM

من باب تفريغ ما يكتنف العقل من صواعق مرسلة، وما يجول في القلب من أعاصير مزلزلة، يُنصح بتفريغ كل ذلك من خلال الفضفضة بالكتابة على ورقة، ثم بعد أن تملأها بالرسومات والخربشة، والكلمات المتقاطعة، والخطوط المتوازية، والدوائر وأشكال الهندسة، ووجوها تكون العين مكان الأذن، والأنف في الجبهة، والفم دائرة مزخرفة، والقدم مكان اليد، واليد في القفا، ثم لك الخيار في تمزيق الورقة، أو لفها باليد وفركها حتى تجعل منها كرة مهلهلة، أو ارسالها مع الريح لتأخذها بعيدا عن المكان والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، لتحط في زاوية ما هناك فوق كومة الأوراق المُحمّلة.
أيتها الورقة... أيعقل أن العالم يسير بالمقلوب، أم أنا المقلوب رأسا أسير على يدي؟ حاملا أثقالي على عقلي!
أسّرت الورقة في أذني: ألا ترى أن الإنسان في بطن أمه مقلوبا؛ اسفله رأسه، وأعلاه قفاه!
أنا: لكنه عندما يخرج للحياة يستند واقفا رأسه إلى الأعلى.
الورقة: هذا ظاهر أمره، أما عقله الباطن فمعلق بحاله وهو جنين في رحم أمه!
أنا: أيعقل هذا؟ أيتها الورقة... أنت حاقدة حاسدة!
مزقتها... لففتها كرة... ثم في سلة المهملات قذفتها... أخرجت أخرى، سطّرتها، زخرفتها، نمقتها، وبدأت أكتب بحبر سري عن الفطرة، والعقلانية، والحرية، والشجاعة، والحضارة، والبناء.
وعندما عرّضت ورقتي المزينة المزخرفة للهب، ظهرت الحروف والكلمات والجمل: كذب وهرطقة، ثوب إيمان يخفي أمواجا من الإلحاد والشك والسفسفة، غرائز الحيوان أرقى وأسمى من نرجسية متوحشة، تفننت في صنوف الفساد والإفساد والقتل والتدمير وصنوف العذاب، والغش والاحتيال في إطار من السفسطة.
سلاسل من العبودية في ظل حرية مزيفة، خوف مرعب يكمن في رد فعل منعكس لرضيع قبل التعقل، وحتى في خرف عجوز في أرذل العمر لا يعلم من بعد علم شيئا.
حضارة شيزوفرينية، على الجماجم قائمة، وبلون الدم قاتمة، الفقر والجوع والمرض سماتها، ترتقي وترتقي فتنتهي بالمثلية، ولا الجنس، والحيوانية، والشيطنة.
طويت صفحتي، ثم فوق اللهب وضعتها، وأخذت استمتع والنار تأكلها، تحولها إلى رماد، نفخت فيه، ليعود صدى الصوت من واد: فضفضة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد