ضريبة اللحية

mainThumb

24-04-2023 02:08 AM

يمكن النظر إلى الضرائب من زوايا مختلفة، فالاقتصاديون يرون أنها الوسيلة الوحيدة لتمويل الخدمات العامة من بنية تحتية وتعليم ورعاية صحية، والساسة يرون أنها وسيلة لتوزيع الثروات، وتعزيز العدالة الاجتماعية، والحد من عدم المساواة في الدخل، والأفراد يرون أنها عذر للحكومة في أخذ أموالهم، والمحاسبون يرون فيها مصدراً للدخل. أما الحكومة فلها مآرب كثيرة في فرض الضرائب، منها تحفيز أنشطة اقتصادية واجتماعية محددة، وتحفيز سلوكيات والحد من أخرى. وعلى الرغم من أن الحديث عن الضرائب قد يكون منفّراً للبعض، فالتاريخ وثّق قوانين ضريبية تبدو فكاهية الآن، وإن لم تكن كذلك حين فرضها، هدفت من خلالها الحكومات إلى تغيير بعض السلوكيات، ولعل أبرز ما يذكره التاريخ ضريبة اللحية التي فرضها (بيتر الأكبر) قيصر روسيا في القرن الثامن عشر.
وظاهر القصة أن قيصر روسيا فرض ضريبة على الملتحين من الرجال، وتفاصيلها أنه في بداية توليه الحكم ذهب في رحلة أوروبية استمرت عامين، هدف منها إلى معرفة أسباب تفوق أوروبا على روسيا، وعمل خلالها بنفسه في مصانع السفن، وحضر جلسات برلمانية في بريطانيا، واستكشف الثقافة الأوروبية، ولا شك أنه انبهر بتلك الثقافة آنذاك، لأنه حين عاد إلى روسيا كان قد عزم النية لتغييرها لتكون أقرب إلى أوروبا. وبسبب إعجابه بكل ما هو أوروبي، كان أول قراراته هو فرض قانون يحتم على الرجال حلق لحاهم ليكونوا أقرب إلى مظهر الأوروبيين المعاصرين. ويبدو أنه كان على عجلة من أمره، فقد فرض هذا القانون في الحفل الذي أعد لاستقباله من رحلته، وكان أول ضحايا هذا القانون النبلاء الذين حضروا لاستقباله. ولكي يظهر جديته، فقد استلّ (بيتر الأكبر) موسه وقام بحلق لحى النبلاء بنفسه.
حتى هذا الوقت لم تكن هناك ضريبة على اللحى، فلم يهدف القيصر إلى جني الأموال بقدر ما هدف إلى تحويل ثقافة روسيا لتكون أقرب إلى الثقافة الأوروبية، وقد تغيرت روسيا بالفعل في فترة حكمه بشكل أو بآخر. ولكن بدايته كانت من اللحى، وهو ما أثار الكنيسة الكاثوليكية التي عادَته بشكل صريح بسبب هذا القرار. وبعد فترة من هذا القانون، لان القيصر فسمح للرجال بترك لحاهم مقابل ضريبة اختلفت بحسب الطبقات الاجتماعية، فدفع الفلاحون مبالغ ضئيلة، بينما يدفع النبلاء والمسؤولون العسكريون مبالغ باهظة.
هل تعد هذه أغرب ضريبة في التاريخ؟ الواقع أن هناك من سبق القيصر في ضريبة اللحية، وهو هنري الثامن ملك إنجلترا الذي عرف بغرائبه الكثيرة. وقد يقول قائل إن التاريخ القديم مليء بهذا النوع من الغرائب، ولكن الواقع الحالي يحمل ما هو أشد غرابة من ذلك، وكما أن للقيصر دوافعه - التي بدت منطقية من وجهة نظره حينها - فإن الزمن الحالي يحمل مبرراته التي لو عرفها من عاش في زمن القيصر لوجدها مضحكة.
ففي عام 2003 قررت حكومة نيوزيلندا ضمن جهودها في مكافحة التغير المناخي، فرض ضريبة على أصحاب الأبقار، بسبب غاز الميثان المنبعث منها! وعدد الأبقار في نيوزيلندا - لمن لا يعلم - يزيد على عدد الشعب النيوزيلندي نفسه (6.2 مليون مقابل 5.1 مليون)، واعتماد البلد الاقتصادي على المواشي لا يستهان به، ولذلك فقد لاقى القرار سخطاً شعبياً، كما جوبه بسخرية على المستوى العالمي حين سمي بـ«ضريبة الفساء»، أجلّكم الله. وقد أوقفت الحكومة بعدها هذا القرار ولم ينفذ. وبعد 20 عاما على هذا القرار، عادت الحكومة النيوزيلندية لطرح هذا القرار، الذي تداولته وسائل الإعلام المعتبرة باسم «ضريبة التجشؤ والفساء»، وقد يطبق بالفعل بحلول عام 2025. هذا النظام يُنظر له اليوم بكل احترام من قبل الناشطين البيئيين، الذين يطالبون بتطبيق أنظمة مشابهة في الدول الأوروبية! وفي ذلك دعوة لإعادة النظر فيمن يدّعي أن البشرية وصلت إلى ذروة رُقيها التاريخي.
إن محاولات (بيتر الأكبر) - وإن جانبها الصواب - للارتقاء بشعبه، أدخلته كتب التاريخ ضمن النوادر الفكاهية، ولا شك أنه ركّز على ظاهر الحضارة أكثر من جوهرها، وأصبح بضريبته مشابهاً للدول التي فرضت ضرائب على عدد نوافذ المنازل وورق الحائط وغيرها من غرائب الضرائب. ولكنه مع ذلك، قد حاول تغيير سلوك البشر الذي يمكن تغييره. ولكن ما حيلة البقر فيما لا حول لها ولا قوة؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد