«عليَّ وعلى أعدائي» .. شمشون إلى غزّة مرةً أخرى

mainThumb
REUTERS

08-11-2023 06:05 AM

 

في كُلّ الحروب العبثيّة التي قادتها "أمريكا" كانت تفكِّرُ بما تسمّيه "اليوم التالي" بنفس الطريقة التي تفكّر فيها اليوم بما بعدَ (العدوان) على قطاع غزّة، والتي كانَ آخرُ فشلٍ مدقعٍ لها حينَ انتهت عشرون سنةً من حربِ محاولة القضاءِ على "طالبان" وبناءِ حكومة وجيش موالٍ لها في أفغانستان، بانسحابِ قواتِها بخسائر فادحة، وانهيار ما دفعت المليارات لأجله، وعودة حكم "طالبان" في أقل من 24 ساعة. "الهلوسات" التي تستمرُّ بتقديمها "أمريكا" على أنّها تصوُّر لوضع "اليوم التالي" لا تتعدّى كونها تصوُّرات متعالية مفصولة عن الأرض والواقِع، ومَن يصدِّقها فإنّه سيقع ضحيّة لها. وإذا استمرَّ (العدوان) بهذه الطريقة، لن يتبقى من غزّة ما سيحكمه أيُّ أحد.. هذه حربٌ شاملة.. وقطاع غزّة يُمحى حرفيًا، جثامين الشّهداء في الشّوارع.. عار الإنسانيّة إلى الأبدِ هذا، وعارُ المتفرّجين والحالمينَ بدورٍ.. كأنَّ هذه المحرقة لن تصِلنا كلّنا.

"نتنياهو" يفكّر فقط بنفسه في "اليوم التالي (للحرب)".. لأنّه يعلم أنّ نهايتها هي نهايته. «عليَّ وعلى أعدائي يا رب»، يقولُ ضمنيًا رئيسُ وزراء الاحتلالِ مقتبسًا من أسطورة "شمشون" التّوراتيّة (سِفْر القضاة)، وخارجًا من زمنِ الحكاية إلى بوّابة غزّة مرّة أخرى، ليختتم حياتَه السّياسيّة القبيحة بهدمِ كلِّ شيءٍ على رأسِه و"رأسِ الفلسطينيين" على ما يبدو، وذاهبًا أيضًا، كما قالَ حرفيًا، ليحقّق "نبوءة إشعيا"، متخيّلًا أنّه "ربُّ الجنود"، وحاشدًا الدّعم اليمينيَّ الداخليِّ لتوحّشه ورغباتِهِ في "الانتقام". وإنّه الآن في قمّة سُعاره.. وترتفع كلّ يوم احتماليات أن يقودَ المنطقة كلّها إلى الدّمار الشّامل، فيما الارتباك الأمريكيِّ والدّوليّ يصبحُ واضحًا حيثُ "كبحُ" توحّش "نتنياهو" (واليمين المتطرّف برمَّته) الذي أخذَ الأضواءَ الخُضرَ كلّها، مع كلِّ يومٍ إضافيّ، يبدو أمرًا صعبًا للغاية. (عارضَت أمريكا، الثلاثاء، ما أسمته إعادة احتلال غزّة الذي صرّح به نتنياهو مثلًا).

الاحتلالُ مستمرُّ في حربِ الإبادة الشّاملة، وهو الآن لن يتورَّع عن قصف المستشفيات (يتقدّم نحو مستشفى الشّفاء الذي يضمّ عشرات آلاف النازحين) أو أيِّ شيء أمامه، وهو يُصعِّد لهجته أنّه "قادر على محو لبنان، وقادر على قصفِ أيّ مكانٍ في الشّرق الأوسط، وأنّه يعمل في الضّفة الغربيّة، وأنّه سيُنهي حَماس، وهو يقوم بتسليح المستوطنين الذين ارتفعت وتيرة توحّشهم في الضفة الغربيّة"، ويبدو مُصرًا على أهدافِهِ غير قابلة التّحقيق إلّا بمحو قطاعِ غزّة، ومجازِر لا أحد يتخيّل عددها بحقِّ المدنيين في القِطاع، وإنّ الصّمت المطبق والشّراكة الدّوليّة و"توحّش الانتقام التّوراتيّ" والقوّة المفرِطة التي في شهرٍ ألغت كلَّ مواثيق الدنيا دونَ أن يرفَّ لها جفن من شأنِه أن "يؤجّج الجنون" ويوسِّعه إلى أبعدِ حدٍ، ويجعل رغباتِ الاحتلال الدّمويّة ممتدّة.

إنّ الجنون والتّطرف الذي يعطيه "فرط القوّة" يقود إلى الدّمار؛ قبل يومين يقولُ "مستوطنون" غادروا من الشّمال الفلسطينيّ المحتلّ في مقابلة إنّهم: "لن يعودوا إلّا إذا تمّ إنهاء شيء اسمه حزبُ الله"، و"اليمين المتطرِّف" يعتدي في الشّوارع على المحتجّين من أهالي الأسرى لدى المقاومة، وما يسمّى "وزير التراث"، (الذي من الطّبيعي أن يتحدّث عن القتل لأنّه التراث الوحيد المتجدّد لهذا الكيان)، لم يعترض أحدٌ على رغباتِه النوويّة إلّا من أجل أسرى الاحتِلال، وليسَ من أجل مليونين ونصف "إنسان" في (ما تبقّى) من غزّة التي انهالت عليها أطنان من المتفجّرات أكثر من القنابل النّووية.

والشّيء الثابت الوحيد أنّ "تركَ غزّة" وحدَها أمامَ الحرب الوجوديّة هذه لن يؤدّي إلّا لتصفية "الكُلّ" الفلسطينيّ، وربمّا أكثر من ذلك، وما يفعلُهُ الاحتلال لا يدلُّ أنّه سيسير إلى أيِّ حلٍ سياسيّ، ويبدو أنّ مباحثات الأسرى متعثِّرة أكثر مِمّا نتخيّل، والحقيقة أنّ "نتنياهو" غير مهتم بهم، فلو أحضَرَهم كلُّهم واحدًا واحدًا فإنّ نهايَتَه السّياسية حتميّة، في ظلِّ تعمّق الانقسامات،... وهذا مرعِب جدًا...

 

* كاتب فلسطينيّ

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد