لو كنت في مكان حماس لأعطيتهم مخرجاً!

mainThumb

28-12-2023 11:38 PM

لا تستغربوا عنوان هذا المقال.
إسرائيل، والولايات المتحدة والغرب كله يفكرون فقط بالمخرج «المناسب».
دعونا نأخذ الأمور بتسلسلها المنطقي والواقعي، أيضاً.
كبار المراقبين الجادّين في إسرائيل، ومنهم شخصيات مرموقة، وفي مجال الاختصاص العسكري والأمني، ومنهم من شغل مناصب عسكرية عليا، وتحمّل مسؤوليات على أعلى المستويات في هذا المجال يقولون، إن ثمة هزيمة قد وقعت بالفعل.
وكبار من القائمين على هذه الحرب التي تدور الآن بشراسة لم يشهد الصراع مثيلاً لها يقولون، إن «الانتصار» في هذه الحرب أصبح معقداً، وبات يحتاج لشهور وشهور، وربما بات يحتاج إلى سنوات عدّة.
لم يعد في إسرائيل مراقب واحد يعتدّ بما كان، وما زال يقول من كلام «مسموع» يستطيع أن يقدّم دليلاً واحداً على «الانتصار» الذي وعدت به القيادة السياسية والعسكرية التي تقود هذه الحرب.
وباستثناء المهرجين والمشعوذين الذين نسمعهم ونشاهدهم على «قناة 14» لم تعد وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تجنّدت بالكامل في دعم الحرب، و»التغنّي» بأهدافها التي طرحت في الأيام الأولى.. لم تعد ترى في هذه الأهداف سوى أحلام خيالية، والبعض بات يراها أوهاماً متخيّلة، والكل يجمع أن «تحقيقها» سيكون مكلفاً، وباهظ الثمن، وقد لا يمكن الوصول إليها أصلاً.
عادت بعض أشكال الفطنة إلى كثير من المراقبين من أن بنيامين نتنياهو يجرجر إسرائيل إلى كل ما من شأنه أن يُبقي هذه الحرب مشتعلة، وهو مستعدّ أن يذهب بها إلى كل الخيارات، باستثناء توقّفها، لأن توقّفها يعني الهزيمة، لأن تحقيق أهدافها ليس ممكناً.
نتنياهو وكل زبانيته يعرفون جيّداً ــ وهذا ما بات يُشار إليه في ثنايا هذه «الفطنة» ــ أنّ وقف الحرب سيعني الانتخابات، ويعني بدء محاكماته بمعدّل ثلاث مرات أسبوعياً، وقد تبدأ هذه المحاكمات أثناء سير هذه الحرب، وسيضاف إليها الفشل ما قبل الحرب، والفشل في إدارتها، والفشل الأكبر في نتائجها.
ليس فقط، وإنّما السقوط المؤكد للحكومة الحالية، والخسارة الكارثية في الانتخابات بعد أن يتمّ فرضها.
وحتى لو تمكّن نتنياهو من إعاقة كل هذه الخطوات، والمراوغة بشأنها، والعودة إلى الألاعيب المعروفة عنه في هذا الإطار فإن ما ينتظره، وينتظر حزبه، وينتظر كل «الائتلاف» الذي يقوده هو عودة مئات الآلاف إلى الشوارع في إسرائيل، وأغلب الظنّ أن هذه العودة في هذه الحالة ستكون بالملايين.
وهكذا فإن المشهد الإسرائيلي بات قاتماً، والأزمات فيه أصبحت أكثر تعقيداً، وتنوُّعاً، ودخلت عليها ليس فقط العوامل النفسية للإخفاق والفشل والهزيمة، وإنّما الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستكون قد تفاقمت بصورة نوعية جديدة عمّا كانت عليه قبل اندلاع هذه الحرب.
أمّا في الولايات المتحدة و»الغرب» فالوضع من حيث الكثير من المؤشّرات لا يختلف كثيراً، ومن زاوية اليأس والإحباط والتشاؤم عمّا هو عليه الحال في إسرائيل.
تزداد قناعة وزارة الدفاع الأميركية بأن استمرار هذه الحرب بالأهداف التي يتحدّث عنها نتنياهو وطواقمه سيؤدّي إلى هزيمة استراتيجية مقابل مكاسب تكتيكية، وقد لا يكون سهلاً تحقيقها، وقد عبّر عن هذه الفكرة بالذات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نفسه، وهناك إشارات واضحة أنّ هذا «الجوّ» هو الجوّ السائد في الأوساط الدفاعية والأمنية «الغربية» كلها.
إذ كيف لكاتب مرموق مثل توماس فريدمان أن يتابع مقالاته وتقديم رؤاه، أو بصحافي مثل ديفيد هيرست أن يكتب بأن هذه الحرب قد تؤدّي إلى انهيار إسرائيل، وأنّ نتنياهو يخطّط لتوريط «الغرب»، وإلحاق هزيمة أخلاقية بهذا «الغرب»؟
وكيف بكبريات الصحف الأوروبية أن تخرج بعناوين بارزة عن مؤشّرات الهزيمة مثل «ليبراسيون» و»دير شبيغل» دون أن تكون قد «أُطلعت» على تقارير استخبارية دقيقة، وعلى معلومات مؤكّدة في خلفية تلك المؤشّرات؟
وهل الكتّاب الكبار في «الغرب» عندما يتناولون مثل هذه الموضوعات، وهم في غالبتيهم إمّا من الموالين لدولة الاحتلال، أو من القلقين على مصيرها، أو «الحياديّين» الموضوعيّين الذين يحترمون عقولهم، ويحترمون قرّاءهم..هل يكتبون من وحي أفكارهم الخاصة، ومن العصف الذهني، أم بالاستناد غالباً إلى معطيات لا تتوفّر إلّا في مراكز صنع القرار في هذا «الغرب»؟
وخلاصة القول هنا، إنّ من لا يرى مؤشّرات الفشل الإسرائيلي هم حالة رسمية عربية، وأخرى إسلامية، وبعض الهوامش الدولية، حيث يعتقد هؤلاء كلّهم أنّ الولايات المتحدة ستجد المخرج المناسب عند درجة أكبر في سياق هذا الفشل!
لكنّهم على حقّ هنا من زاوية واحدة وهي أنّهم يسمعون الإدارة الأميركية وهي تتحدّث عن أخطار توسيع الحرب، وعن ضرورة إيجاد مخرج «مناسب» قبل فوات الأوان!
أزعم هنا أنّ الولايات المتحدة لا ترغب بتوسيع الحرب تحت أيّ ظرف من الظروف، وأنّها لن تسمح لإسرائيل بهذا التوسيع، لأنّ الفشل سيكون دماراً على الدور الكوني للولايات المتحدة و»الغربي» الشامل، فيما إذا كان معنى هذا التوسيع هو الحرب الإقليمية الكبرى.
الإمكانية الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل معها كمخرج من هذا الفشل هي الحرب «التحريكية» على مستوى الإقليم، تكون مؤقتة، وتحت السيطرة لكي يُصار إلى وقف سريع جداً لإطلاق النار على كلّ الجبهات، دون أن تبادر لها، وإنّما بضبطها إن وقعت.
وهنا ستطرح قضية وقف إطلاق النار كمقدّمة لمقاربات سياسية كبيرة على مستوى الإقليم كله.
هنا تستطيع حركة حماس أن تدّعي بأنّها هي من بادرت إلى «هذه الحرب»، واستطاعت فرض الحلّ السياسي من موقع القوّة، ومن موقع المقاومة.
وهنا تستطيع السلطة الوطنية الفلسطينية أن تدّعي أن الحلّ السياسي هو الحلّ الوحيد الممكن، وأن لا حلول عسكرية أو أمنية لهذا الصراع، وأن الأمور الآن تعود إلى وضعها الوحيد والصحيح وهو الحلّ السياسي.
وهنا تستطيع الأنظمة العربية أن تدّعي أن السلام هو الطريق الوحيد للبقاء والتنمية في هذا الإقليم لكلّ دول المنطقة.
وهنا تستطيع الولايات المتحدة أن تدّعي بأنها استطاعت أن تؤمّن لهذا الإقليم، أو هي تعمل على تكريس عناصر مستقرة للازدهار والتعايش في كامل الإقليم، وبحيث تكون إسرائيل جزءاً من واقع هذا الإقليم، دون أن تكون على حساب «حقوق» الفلسطينيين.
وهنا تستطيع إسرائيل أن تدّعي بأنّها حقّقت «السلام»، وأنهت بصورة استراتيجية كل التهديدات التي كانت تحيط بها، وأنّها أصبحت دولة طبيعية في المنطقة حتى ولو أنها انسحبت من الأراضي الفلسطينية مقابل هذه المكاسب.
«الحرب التحريكية» ليست هي الخيار الأميركي بعد، لكنّ الولايات المتحدة ستحوّل أيّ مغامرة إسرائيلية لتوسيع الحرب إلى هذا الخيار فوراً، وستتولّى قيادة هذا الأمر مباشرة مهما كان الثمن من الصدام مع القيادات الإسرائيلية المتهورة.
لو كنت في مكان «حماس» لتحرّكت فوراً وتفاهمت مع الكلّ الفلسطيني وطرحت مبادرة متكاملة باسم الكلّ الفلسطيني، لقطع الطريق على نتنياهو وأعوانه، وقطع الطريق على مغامراته التي وصلت إلى ما هو أعلى من كلّ ذروة، ولقطعت الطريق، أيضاً، على الولايات المتحدة في استمرار دعمها لهذه الحرب، وعلى «الغرب» كلّه، وعلى كلّ الوسطاء الذين ربّما يحتاجون إلى مثل هذه المبادرة لكي تعدَّل وساطتهم لصالح الشعب الفلسطيني إذا كان لا بدّ منها.
يبحثون عن مخارج، وهذا بات مؤكداً، الأفضل أن نوفّرها نحن بدلاً من أن يعملوا عليها بأنفسهم، لأنّنا في هذه الحالة سنمنعهم من توظيفها ضدّنا، أو سنمنعهم من تحقيق أهدافهم، أو على الأقلّ ستكون المخارج التي يناور بها هي خطّتنا للاعتراض على المخارج التي يبحثون عنها.. وسنعود إلى كلّ ذلك في مقالات قادمة.

 

(الأيام الفلسطينية )



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد