حياة غير واحدة للمقهورين

mainThumb

14-03-2024 09:35 PM

يُعرض، منذ يناير الماضي في قاعات السينما، فيلم "one life" (حياةٌ واحدة). إخراجُ "جايمس هاوس"، وبطولة الممثل الكبير " آنثوني هوبكينس". الفيلم مُقتبسٌ من قصة حقيقية لشابٍ يُدعى نيكولاس وينتون، الذي يُعتبر في أذهان الناجين من المحرقة النازية بطلًا بما قام به. كانَ نيكولاس سِمسارًا يعمل في بورصة في لندن وهو من أصلٍ يهوديّ ألمانيّ، إلى أن دعاه صديقٌ له كان عضوٌ في اللجنة البريطانية للاّجئين من تشيكوسلوفاكيا. حين قدِم وينتون إلى هناك رأى حال المخيمات المكتظة بالأطفال الغائبين آباءهم إثر القتل أو الاختطاف، يسمع نداءات استغاثتهم و يرى ضعف أجسادهم النحيلة التي أهلكها الجوعُ وبردُ أوروبا، فيُقرر أن يجمع تبرعات، ويقنع سفارة بلده أن تعطيه تأشيرات حتى يتمكن من نقل الأطفال من "براغ" إلى لُندن ضامنًا لهم بذلك النجاة من الغزو النازيّ لتشيكوسلوفاكيا، حيث سيستقبلهم آباءٌ بالتبني في لندن. تمكن نيكولاس وينتون من نقل 669 طفلًا عبر 8 عمليات نقل عن طريق خطوط السكك الحديدية وهو بذلك يُسابق الزمن؛ إذْ كانوا حينها على بُعد شهرٍ واحدٍ من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
أجلِسُ في القاعة شبه الفارغة أشاهدُ الفيلم، وحين صعد جينيرك النهاية، كان أول سؤال طرأ على بالي: كم من فيلم عن المحرقة النازية ستقدّمه السينما الغربية قبل أن تتوقف عن ذلك؟ ثم ماذا عن توقيت عرض الفيلم بالتزامن مع الحرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟
أجلس على الكرسي الأحمر في القاعة، أبحث عن ذرّة تعاطف لكنّني لا أجد. كلّ مشاهد الفيلم للأطفال في ملاجئ تشيكوسلوفاكيا بلا مأوى ولا طعام، هزمتها صورٌ حقيقيّة لأطفال يعيشون الآن حالًا إبادة صهيونية بشعة يومية جارية منذ حوالي ستة أشهر.
خرجتُ من الفيلم بقلبٍ مثقلٍ يتساءل، إنْ كان لنيكولاس وينتون، البريطاني اليهودي، رفاهية ضمان 8 قطارات ملأها بأكثر من 600 طفلٍ يهودي لينقلهم لمكانٍ أفضل يضمنُ لهم فيه نجاةً و حياةً أخرى.. فمَن وماذا لأطفال غزّة؟ إن كان للمحرقة اليهودية أكثر من 400 فيلمٍ وثائقيّ و دراميّ ومليارات الدولارات لإنتاجها فماذا للشعب الفلسطيني؟
قبل أيامٍ خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار، فاز فيلم "Zone of interest" بجائزة أفضل فيلم أجنبي، والمفاجأة ليست بالتأكيد أنّ الفيلم عن الهولوكوست، إنما الكلمة التي ألقاها مُخرج الفيلم "جوناثان جلازر" حين صعدَ لتسلّم درع الجائزة ثم أمسك بورقةٍ مُرتعشا ووقف يُدين أحداث الإبادة في قطاع غزة قائلًا: "نحن لا تقول انظروا ماذا فعلوا حين ذاك، لكن انظروا إلى ما نفعله الآن".
أقتَبسُ من رضوى عاشور الكاتبة المصرية الرّاحلة، في كتابها "لكل المقهورين أجنحة"، هذه الفقرة التي تلخّص ما عجزت عن قوله في كلّ ما سبق : "لسنا ضدّ اليهود كيهود، قلنا ذلك وكرّرته أدبيات المُقاومة وحركة التحرر العربية على مدى أكثر من نصف قرب. لا مُشكلة لدينا في إدانة المِحرقة. نُدينها و يجب أن نُدينَها، لأنها جريمةٌ بشعةٌ في حق الإنسانيّة. ولكن لدينا مُشكلةٌ كبيرةٌ جدًا في التركيز على مِحرقةٍ جرت قبل أكثر من ستين عامًا، للتستر على الجرائم التي تقترفها دولة إسرائيل، أو استخدام المحرقة لخلق أجواء من التعاطف مع المشروع الصهيونيّ أو إضفاء مشروعية عليه باعتباره ردًا على المحرقة. نعم لإدانة المحرقة، لا لاستخدامها لكسب تعاطف القتلة المُحتلّين".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد