نفائس بيدس

mainThumb

04-04-2024 01:31 AM

في حصص الكتابة الابداعية وورشاتها بمدارس فلسطين يجري اسم خليل إبراهيم خليف المشهور ببيدس، 1875- 1949 على لساني وكأنه جزء من ذاكرتي الشخصية، عشرات المرات، أراني مستشهداً، بمقولاته وقصصه وزمنه، ومجلته البديعة (النفائس العصرية) وترجماته المهمة عن الأدب الروسي، (روائع تولستوي) وأيامه الأخيرة في حي البقعة الفوقا بالقدس، وأوضح لنفسي ولطلابي حقهم في الفرح بهذه الريادية الإعلامية والأدبية الجميلة من أحد أهم مترجمي وقصاصي الوطن، أؤمن بتاريخ بيدس المشرف داخل السردية الأدبية الفلسطينية، ومعجب جداً بمهارته الصحافية الثقافية، وفي إيمانه بدور الأدب في نهضة الأمة وازدهارها الثقافي، وأتعجب كيف أن مدارسنا لا تعرف بيدس كقاص وإعلامي، وأن الصحافة الفلسطينية الثقافية الفلسطينية على شحوب وجهها، لا تبدو وفية لذكراه ودوره وإنجازاته، حتى الآن وأرجو أن أكون مخطئاً، لم أسمع عن مهرجانات او مؤتمرات لإحياء ذكراه أو ميلاده، أما عن إعادة طباعة كتبه فلا أظن أن هناك كتاباً آخر غير رواية (الوارث) التي أعادت نشرها دار نشر الرقمية في رام الله، وكُتب أخرى أعادت طباعتها، ضمن مشروع إعادة إحياء أدب فلسطين، مكتبةُ سمير منصور في غزة.

أما (يوميات السجون) التي على ما أعتقد لم تطبع حتى الآن، وروى فيها مشاهداته وتفاصيل مشاعره ومواقفه في سجون الانتداب، فهي كنز تاريخي ومعرفي وإبداعي، قصّرت المؤسسات الثقافية الفلسطينية في الاهتمام به، لا أتخيل قاصاً أو أديباً فلسطينياً لم يقرأ في أعداد مجلة النفائس التي أسسها بيدس، والتي وصل تأثيرها الى العالم العربي وحتى أوروبا، وإن حدث وكان هناك من لم يسمع منهم (بالنفائس العصرية) فهي فضيحة ثقافية، سألت مرة قاصاً فلسطينياً شاباً عن المجلة وقصص بيدس، فاذا به يسألني، وقد أصابني بعد هذا السؤال إحباط كبير: هل تريدني حقاً أن أسجن لغتي هناك؟ فأجبته لا، لا ليس المقصود أن تبقى هناك، المقصود فقط أن تعرف هذا الزمن لتتجاوزه.
صدر أول أعداد المجلة عام 1908 في حيفا ثم انتقلت الى القدس لاحقاً، وبعد فترات توقُّف وعودة احتجبت أخيراً عام 1923، وقد استقطبت عشرات المبدعين العرب والمفكرين والنقاد مثل إسعاف النشاشيبي وخليل السكاكيني وعلي الريماوي وإسكندر خوري البجالي، كما جرى على صفحاتها عديد من مقالات الجدل التاريخي والثقافي.
في عدد كانون الأول من عام 1911 في سنة المجلة الثالثة يكتب بيدس في الافتتاحية:
(نالت هذه المجلة في عامها الثاني من الحظوة في أعين قرائها ما استنفد جميع نُسخها واضطررنا الى إعادة طبع الأجزاء الأربعة منها، وقد نفدت أيضاً، واضطرَّنا الامر الى إقفال باب الاشتراك منذ الجزء التاسع على أن نعود فنطبعها طبعة ثالثة).
في كتابه المهم (رجال من فلسطين كما عرفتهم) يروي عجاج نويهض قصة إصرار بيدس على البقاء في بيته في البقعة الفوقا بالقدس رغم رحيل المعظم من سكان الحي، لكن الشيخ الثمانيني الطاعن في السرد والعمر اضطر الى الخروج بعد اقتراب العصابات من بيته، خرج ماشياً على قدميه، مسافات طويلة ثم ركب منهكاً سيارة وانطلق الى عمان، وبعد سنة واحدة من نكبة البلاد توفاه الله.
(الأيام الفلسطينية)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد