جنونُ صراعِ السّلطة .. السّودان أنموذجًا

mainThumb

15-05-2024 01:10 AM

صراعُ السّلطة، أو الصّراعُ على السّلطة، شرٌ يعمي القلوب قبل العيون، ويستبيح الدماء حدَّ ارتكاب المجازر، فهو «فتنة» يصعب التنبّؤ بنتائجها، لكنّها نتائجُ ستكونُ كارثيةً حتمًا، فمن أصعب المعارك أو الاضطرابات وأكثرها دموية في التاريخ القديم والحديث، تلك الناشئةُ عن صراع السلطة، فهي تحصدُ أرواح الأبناء والإخوة والأشقاء، فلا ترحم أحدًا.

اليوم، نشاهد قادة السودان، يذبحون شعبهم ويدمرون بلادهم بأيديهم، دون أدنى مسؤوليةٍ تجاهَ الوطنِ وأبنائه، فهناك جناحان عسكريان يتنازعان السلطة، حوّلا البلاد إلى ساحة اقتتال. السودان الجريح يعيش حربًا أهليّة مجنونة، تؤجّجها «التدخلاتُ الخارجية» المستفيدة من إطالة أمدِ الصّراع، واستنزاف البلاد وإغراقها بالفوضى، وزيادة تقسيمها إلى دويلاتٍ قَبَليّة متناحرة، وهي التي كانت فقدت جزءًا واسعًا من أراضيها الجنوبية لصالح انفصالِ دولة الجنوب، عامَ 2011، واعتقدَ السودانُ بهذا أنّه سيتخلص من مرارة الصراعاتِ الداخليّة، ويبتر الجزء الذي يؤلمه، ولم ينجَح مسعاه، بل أصبح مثلَ المريض الذي يبترُ جزءًا مصابًا بالسرطان من جسده فينتشر المرض ويستفحل ويصعب السيطرة عليه.

الشعب السوداني، يعيشُ محنةً قاسية في تاريخه الحديث، أكلت الأخضر واليابس، وقتلت عشرات الآلاف وشردت الملايين داخل وخارج السودان، والصراع على «الكرسي» ما زال محتدمًا والدماء تسيلُ دون أسفٍ، بل وسط إصرار قيادات أطراف النزاع على استمرار القتال حتّى آخر نفس من الأطفال والنساء والشيوخ والفقراء الكادحين، في هذا البلاد الخصبة الواسعة التي لم تنعم بثرواتها منذ الاستقلال.

مثَلُ السودانِ للأسف، مكرَّرٌ في كثير من الدول العربيّة التي استنفدت قدراتها وتحولت إلى دول «فاشلة»، توقفت فيها عجلة التنمية والتقدم، وخرجت من أيّ معادلة إقليمية... وأصبحت ساحات قتال بالوكالة بين دولٍ إقليمية، فكلّ جهة متصارعة تتلقى الدعم والتوجيه من دولة «س» أو «ص»، والضحيةُ البلاد والعباد سعيًا لـ«السّلطة».

صراع السلطة، ضربٌ من الجنون والعبث بالأمن الوطنيّ، ولو اطلعنا على العالم المتحضّر، لعرفنا أنّه قد تعلم من هذه التجارب المؤلمة والتي دفع ثمنها باهظًا على مرّ التاريخ، وتوصل وأرسى دولة القانون بمعناها الفعليّ، فالجميع أمام القانون سواء، فعلاً لا شعارًا.

على السودانيين، ضرورة التوقّف والتعقل واللجوء للحكمة، فاستمرار الصراع بهذه الصّورة وإطالة أمده لن يحقق نتائجَ أيّ طرف؛ بل سيزيد معاناة السودانيين وبؤسهم، فإنْ هم لم يتوقفوا عن تدمير بلادهم، فلن يوقفهم المجتمع الدوليّ الذي يرى أنّ إبادة الشعب الفلسطيني في غزة هو «حقٌ لإسرائيل بالدفاع عن نفسها».






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد