العصبية والنعرات

mainThumb

26-05-2024 05:39 PM

الجهل والفرقة أذهبت ريح الأمة في القرن التاسع عشر
فجعلته قرن النكبات والقارعات،
أيقظ فيه المستعمر الفتن، وانتهج سياسة التفرقة وأشعل نيران العصبية
والبغضاء بين أصحاب الماشية والقرى
وبين أصحاب الإبل والصحراء،
وتشاحن الأصول والمنابت واشعال نيران
الأحقاد، حتى يتفانى جِذماهم،
وتتشتت الألفة بينهم،
وتتباين السُّهمة فيهم؛
فأرسى المستعمر ميزاناً مختلاً،
قياسه أبعد من صواب، وأقرب من خطل،
وأجلب لقذع، ومخالفاً للأوامر الربانية والسنة المحمدية، فيه يتزايد بعضهم على بعض الشرف والكرامة والزعامة والأصالة.

نثر المستعمر بذور التخبط والحسد
والهجاج واللجاج في أتربة الجهل وضعف الدين؛
والجاهلين لقوله تعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ
إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

والغافلين عن قوله عليه الصلاة والسلام:
يا أيُّها الناسُ، ألَا إنَّ ربَّكم عزَّ وجلَّ واحدٌ،
ألَا وإنَّ أباكُمْ واحدٌ،
ألَا لا فضْلَ لعربيٍّ على عجَميٍّ،
ألَا لا فضْلَ لأسودَ على أحمرَ
إلَّا بالتقوى،

ألَا قد بلَّغْتُ؟
قالوا: نعم, قال: لِيُبْلِغِ الشاهِدُ الغائبَ.

ولو جُعل ميزان المستعمر في القرن الثامن عشر
ما وجدنا للأرض صاحباً،
بل عابري سبيل بين الحجاز وبلاد الشام
وفي كل منهم الشرف الأقدم
والأعز الأعظم، ومأثرة للصنيع الأكرم،
أقوام عربية هم أرفع الناس في المكرمات دعائم،
وأثبتهم في النائبات مقادم، وأمنعهم للجار.

لله الحمد والشكر، يبقى المؤمّل عظيم بأجيال
القرن العشرين وما يليه من قرون؛
فنجد في نفوسهم الغنى والتُقى والحلم والسبيل
الأرشد، والمنهج الأقصد، والفطنة
والثقافة الشرعية والسياسية والكياسة.
يعلمون أن أساس الإيمان:
أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك،
وبذلك أستعان أصحاب الكياسة على مجاهدة
أنفسهم الأمارة بالسوء وموروثات التفرقة والعداوات
وفتن الفلسطيني والأردني والشمالي والجنوبي،
والعصبيات القبلية الجاهلية؛
فوقر في نفوسهم أن من لم يحب لأخيه القوقازي
والحبشي ما يحبه لنفسه
فقد اختل ميزان الإيمان في قلبه،
ويقع في المحظور بمخالفة الأوامر الصريحة
من الله ورسوله، فيكون مصيره الثبور؛
وتكون الميتة جاهلية والعياذ بالله؛
فكيف يجب أن يكون حبه لجاره ..؟

ترى الأنقياء متمسكين بالشريعة والدين،
فيلقى الرجل قاتل أبيه وأخيه وهو قادر على أخذ ثاره
وإدراك رغمه، ويمنعه دينه عن تناوله بأذى،
وإنه ليلجأ إليهم الغريب من غير معرفة ولا قرابة،
فتكون أنفسهم دون نفسه، وأموالهم دون ماله.

ومما يجدر الإنباه عليه أنشطة الحسابات الجديدة
التي ظهرت في الآونة الأخيرة في وسائل
التواصل الاجتماعي، وفي الربع
الأخير من السنة المنصرمة، يسعون لإيقاظ الفتن
والعصبية بدواعي الأصل والشرف وحب الوطن،
والطعن بالأخوة بحسد كامن وداء باطن،
فينحرف البعض بدافع الحمية ليرد ويعلق بكلمات من جنس أقوال الفتن وأعمالها،
فيجدب بعضهم بعضاً في المقامة،
ويستكثر بعضهم على غيرهم قليل الكرامة،
ليتركوا في سبيل ذلك الدين والاستقامة،

حسابات وأسماء وطنية زائفة صنعتها أيدي
عابثة، وحفزة ليشرى الشر بين الأخوة في الدين،
والمنافرة العقيمة في الحسب والنسب والكرامة،
فلبس القول أعمى من حندِس الظلماء.

ويهيم بذلك قلة قليلة من سفهاء الأحلام،
ولا غرابة؛ فإن عثار القول أنكأ من عثار الوعث،

وهذا وقت ظهور العلماء والأنقياء والحكماء ليُقيموا أودهم ويُحسنوا أدبهم بالدين والإيمان
حتى يعودوا لجادة الصواب والفهم والحق
يوماً بعد يوم، وتشجيعهم على التدبر والعودة
لأمر الله والعقل السليم،
ليطيب بهم المراشد،
فإنّا أمة سيد المرسلين نبي الله ورسوله محمد
عليه الصلاة والسلام،
بميزان التقوى شرف مَن شرف، وخمل مَن خمل،

إن أورينا ناراً أثقبنا،
وإن أوِد دهر بنا اعتدلنا،
حتى يُحمد الصّدر ويُستطاب الخبر
بالتعاون على البر والتقوى، والابتعاد عن التفرقة

يا أهل الرباط، والأرض التي بارك الله بها وحولها،
اسمعوا وعوا، وتعلّموا تعلموا، وتفهموا تفهموا،
وصِلوا أرحامكم وأصلحوا أحوالكم،
فإن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم؛

كونوا كالذين إن قرُبوا منحوا، وإن بعُدوا مدحوا،
وإن ظُلموا صفحوا، وإن ضويقوا سمحوا،
وإن قدِروا عفوا، وإذا أُعطوا شكروا،
وإذا مُنعوا عذروا.

والسلام على مَن هم بحبل الله اعتصموا،
وبهدي نبيه المصطفى اهتدوا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد