التلوث الفكري

mainThumb

30-06-2024 03:57 PM

كان الله في عون الشعب، كيف يمكن أن ينظر للمستقبل وكل الحقائق والمبادئ والأسس التي تربى عليها يراد منه اليوم أن يتبرأ منها، وكأنها من أفكار الجاهلية الأولى والعياذ بالله. بذلك تنقلب الموازين، ويصبح العدو المحتل لأقدس جزء من بلاد العرب صديقًا، والبعض يقول عنه ابن عم. ولست أدري أي عم وأبناء عمومة يقصدون! العدو اليوم للحكومات الشكلية في وطننا أصبح هو الشعب الذي لا يعجبه العجب.

ما يحدث على الساحة الأردنية أمر يحير العقول وليس له إلا عنوان واحد: أننا كشعب نعيش أصعب وأقصى الظروف انحطاطًا. هناك من يحاول أن يصور لنا أن الوضع سيتغير بمجرد سقوط حكومة المجرم نتنياهو المتطرفة الإرهابية، وكأن من سيأتي بعدها حمائم السلام وسيعيد لنا جميع الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس ويعلن انحيازه للسلام. هذا ما يحاول بعض من كتبة النظام أن يصوروه للشارع الأردني.

فيا هؤلاء، أخبروني، هل هناك مسؤول صهيوني حتى من الدرجة العاشرة طرح فكرة الانسحاب إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران؟ وهل يوجد مسؤول واحد صهيوني مستعد للتخلي عن القدس أو حتى الضفة الغربية كاملة؟ يا هؤلاء، أيها الباحثون عن الرزق من أقذر وأحط الطرق، عبر التشويش على الذاكرة العربية الجمعية للأمة وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، بحيث صورتم حتى الكيان المجرم بالصديق وقواعد الاستعمار العسكري الجديدة في بلادنا بأنها لحماية الأوطان وليس لحماية الأنظمة القابلة للسقوط في أي لحظة.

كان لي صديق يدعى أبو سفيان من عائلة أردنية معروفة جدًا، جاءني ذات يوم وهو في حالة استنفار قصوى. أذكر أنني كنت أتصفح جريدة المجد الناصرية الورقية التي اعدمت، وقال لي ذلك الصديق: "تصور يا أخي، ربع قرن (يقصد خدمته بالدولة) وهم يخدعوننا أن العدو أمامنا ... العدو خلفنا. اليوم يأتي إلينا نفس الممثلين ويقولون إن هذا العدو هم أبناء عمومتنا." اعترف أنني ابتسمت بخبث سياسي وأخبرت صديقي: "هل تصدق ذلك؟ أين نشيد العلم وأين قضية فلسطين التي رضعناها مع حليب أمهاتنا قبل المناهج الدراسية؟ إنها قضيتنا الأولى كعرب. أين بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد، وأين فلسطين عربية من البحر للنهر؟ فهل تعتقد أن كل ذلك كان تطرفًا وإرهابًا كما يسمونه اليوم؟ لا يا صديقي، أنظمتنا الناطقة بالعربية هي التي خارت أمام الجبروت الصهيوأمريكي بسبب ضعفنا كأمة، وخانت وطنها وشعبها. العدو لا يزال هو العدو، فهل تغير العدو؟ هل غير علمه وما يرمز إليه ذلك العلم القبيح؟ أن حدوده من الفرات إلى النيل، فهل سمعنا مسؤول صهيوني من أي مستوى يعلن بأن كيانه مستعد بإرجاع كل الأراضي العربية المحتلة؟

حقيقة أن عملية السابع من أكتوبر العظيمة كانت المجهر الذي كشف الجميع، جاءت لتقول لكل العرب إن أنظمتكم لا زالت تعود لحقبة الاستعمار القديم، أي بريطانيا وفرنسا ووريثتهما أمريكا. ومن لا يعجبها يصبح خارج بيت الطاعة، أي خارج الحكم. فهل عرفتم لماذا أصبح التطبيع السياسي والاقتصادي للأنظمة الناطقة بالعربية أكثر من أي وقت مضى، حتى مع حرب الإبادة البشعة على غزة الصامدة؟ يا صديقي، نحن بحاجة لجمال عبد الناصر في كل بلد عربي. ما يحدث اليوم هو التلوث الفكري والتبعية في أبشع صورها، ولكن في عصر السماوات المفتوحة والشعب يعرف كل شيء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد