عن بلال الحسن ومعاناة المُستقل

عن بلال الحسن ومعاناة المُستقل

14-08-2024 11:17 PM

شهد السبت الماضي احتضان التراب جثمان بلال الحسن، الصحافي والكاتب والسياسي المعروف. جرى التشييع والدفن، في الرباط، عاصمة المملكة المغربية التي ارتبط بها آل الحسن، بدءاً بعميدهم خالد (أبو السعيد) شقيق بلال الأكبر، ارتباط امتنان، إذ إن العاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني، خص الأسرة برعايته بعد مغادرتها الكويت، إثر إقدام رئيس العراق، يومذاك، صدام حسين، على كارثة الغزو، في مثل هذه الأيام قبل أربع وثلاثين سنة. بيد أن ما بين كبار رموز العمل السياسي في بيت الحسن، وهم أبو السعيد، وأبو طارق (هاني)، ثم أبو فراس (بلال)، وبين المغرب، يتجاوز عاطفة العلاقات بين الأشخاص والبلدان والناس، ليشمل لقاء عقول تجمعها نقاط ارتكاز مشتركة، في مقدمها الاعتدال، ونبذ أشكال التطرف بكل تياراتها، وفي مختلف الساحات، ومنها ساحة فلسطين، خصوصاً أن المغرب يتولى رئاسة لجنة القدس منذ انبثاقها عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة عام 1975، ولذا بدا طبيعياً أن يتواصل دفء علاقة بيت الحسن الفلسطيني بالمغرب، بلداً وشعباً، في عهد الملك محمد السادس، المُحْتفَل هذه الأيام باليوبيل الفضي لتسلمه الحكم.

في الجانب الشخصي، عرفتُ الأستاذ بلال الحسن، الراحل الكبير، قدراً وفكراً، من قبل أن تجمعني وإياه محطة حلوله بين كوكبة كبار كُتّاب جريدة «الشرق الأوسط» أثناء تولي الأستاذ عثمان العمير رئاسة تحريرها. ساد العلاقة بيننا طابع الالتقاء على مفاهيم مشتركة منذ اكتشفنا معاً أن بدايات نشأة العقل السياسي لكلينا كانت عبر الانتماء إلى تيارات الفكر القومي، والانخراط في صفوف النشاط المنتمي لها خلال منتصف ستينات القرن الماضي. لكن زمالتنا في «الشرق الأوسط»، عمّقت الصداقة بيننا رغم أن خبرة كل منا الصحافية كانت تستند إلى تجربتي عمل مختلفتي المنابع صحافياً. الركن الأهم الذي وضع أساس تعميق الصداقة هو احترام مبدأ الحق في الاختلاف، ليس فقط بين كاتب ومحرر يشرف على صفحات الرأي، وإنما ضمن النطاق الأوسع الشامل لمختلف مجالات الاهتمام المشتركة.

ضمن ذلك السياق، يمكنني القول إن تجربة بلال الحسن تشكل أحد أهم الأمثلة على معاناة كل صحافي، أو كاتب، أو سياسي، يعتمد مبدأ استقلال الموقف، خصوصاً بعدما يقرر الانسحاب الطوعي من العمل الحركي، أو الحزبي، أو الجبهوي، كما حصل مع بلال الحسن بعد استقالته من «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين». استخلاص كهذا يتجاوز عنصر الشخص، إلى الظاهرة عموماً. ولعل من أشد جوانب معاناة كل ذي موقف مستقل، سواء في فلسطين، أو غيرها، حين يحصل تقارب، أو تلاقٍ، وأحياناً نوع من التطابق، بين موقف الصحافي، أو الكاتب، أو السياسي المستقل، وبين مواقف دول أو أحزاب. حينئذ يجد المستقل نفسه مضطراً لتأكيد استقلالية موقفه، وعدم التبعية لأي توجه رسمي، أو حزبي، محدد. من جهتي، واجهت أكثر من موقف ذاتي ضمن سوء فهم كهذا. يبقى القول إن ما تقدم ليس كافياً في وداع بلال الحسن، إنما أختم بأن أبا فراس رحل كما يرحل البشر أجمعين، أما الأثر فسوف يبقى متوهجاً، وهو الأهم من كل رثاء.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

بمبادرة من ولي العهد والأميرة رجوة .. توزيع الكنافة على جماهير سوق واقف

الأمن الوطني العراقي يفكك شبكة دولية لتصنيع الكريستال المخدر

لجنة تطوير السياحة بالطفيلة تناقش خطتها

الأردن والسعودية .. مباراة الأخوة والروح الرياضية قبل أي تنافس

الاحتلال الإسرائيلي يصدر قرارا بهدم 25 مبنى في مخيم نور شمس

المواصفات والمقاييس: المدافئ المرتبطة بحوادث الاختناق مخصصة للاستخدام الخارجي

سريلانكا: ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار "ديتواه" إلى 643

7 قتلى في غارة جوية بطائرة مسيرة استهدفت مستشفى في السودان

الأردن يدين هجوما استهدف قاعدة أممية للدعم اللوجستي في السودان

بدء تشغيل مشروع استراتيجي لتعزيز التزويد المائي في عجلون

الهجرة الدولية: 905 نازحين جدد من جنوب كردفان السودانية

الاتحاد الأردني يوضح آلية شراء تذاكر النشامى في كأس العالم 2026

ماذا يخطط للمنطقة

مهم بشأن الرسوم المدرسية للطلبة غير الأردنيين

إحالة مدير عام التَّدريب المهني الغرايبة للتقاعد