عنف الملاعب في الجزائر… إلى أين

mainThumb

24-04-2025 01:46 AM

يعيش الوسط الكروي الجزائري هذه الأيام على وقع أعمال عنف وشغب مفاجئة داخل الملاعب وخارجها، تميزت بتصاعد حدة التعصب والاحتقان والشحن الجماهيري في وسائل التواصل الاجتماعي، تجاوز أحيانا حدود اللعبة، وبلغ درجة التحريض والاساءة المتبادلة بين الفاعلين، خاصة في الأوساط الاعلامية والجماهيرية التي تبادلت الاتهامات، ما أدى إلى تدخل السلطات الرياضية والاعلامية وحتى الأمنية في محاولة لتدارك الموقف مع نهاية الموسم الذي يشهد تنافسا شديدا على اللقب في مختلف الأقسام، وتنافس آخر على ضمان البقاء في القسمين الأول والثاني، لكن عندما يتحول خطأ تحكيمي الى جريمة، وتصبح خسارة مباراة نهاية العالم فإن الأمر يقتضي وقفة جماعية مسؤولة من كل الجهات.
صحيح أن عنف الملاعب ظاهرة اجتماعية عالمية تساهم في تغذيتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي واللاعبون والمسيرون والإعلاميون والمؤثرون على حد سواء، يمكن الحد منها، لكن لا يمكن القضاء عليها، ولا حتى مواجهتها بالردع فقط، أو بالتساهل مع كل أشكال التحريض والاساءة التي تتحول مع الوقت الى حقد وكراهية وانتقام، وتؤدي الى خسارة في الأرواح والممتلكات، وتحطيم المرافق الرياضية، لكن المعالجة الاعلامية والأمنية على حد سواء تصبح ذات أهمية، والمسؤولية تتقاسمها كل الأطراف المعنية، لذلك سارعت الاتحاد الجزائري لكرة القدم للاجتماع برؤساء الأندية وقرر منع تنقل المناصرين مع أنديتهم إلى غاية نهاية الموسم تجنبا للاحتكاك الجماهيري.
سلطة ضبط السمعي البصري رصدت بدورها بعض التجاوزات في وسائل الإعلام، وأوقفت مؤقتا برنامجا تلفزيونيا يبث في إحدى القنوات الخاصة بسبب خروج أحد المحللين عن إطار الأخلاقيات المهنية وتلفظه بعبارات عنصرية، ووجهت إنذارا لقناة أخرى خرج فيها أحد المحللين عن القواعد المهنية، وراحت ترصد كل التجاوزات المتبادلة والتي يتسبب فيها أحيانا مذيعون ومحللون وضيوف مختلف البرامج الرياضية الذي يحملون الحكام مسؤولية خسارة أنديتهم، ويتجاوزون حدود التحليل الرياضي الى درجة التحريض على العنف بشكل مباشر وغير مباشر، بدون أدنى وعي بأهمية الكلمات والعبارات التي يستعملونها، والاتهامات التي يطلقونها تجاه حكام يتحملون بدورهم جزءا من المسؤولية عندما يخطئون، لكن ليس كل المسؤولية.
السلطات الأمنية كثفت من جهتها، عمليات رصد مختلف الجرائم الالكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم بدورها في تغذية العنف من خلال نشر أخبار كاذبة وصور وفيديوهات تؤدي الى مزيد من التجييش والاحتقان، وتوعدت باتخاذ كل الإجراءات والتدابير ضدهم طبقا للقانون الذي يمنع كل أشكال السب والشتم والقذف والتحريض، الذي يمارسه أيضا بعض رواد المواقع الذين يصنفون ضمن خانة المؤثرين، بدون أن تتوفر فيهم الكفاءة العلمية والفكرية والأخلاقية، ولا الوعي بخطورة ما ينشرونه و​ يقولونه، ونصبوا أنفسهم أوصياء على الكرة والمجتمع، مستغلين عشق وتعلق الجماهير بأنديتهم، وتذمر بعضها من أوضاعها الاجتماعية، والتي تدفعها الى استعمال العنف وممارسة الشغب وتكسير المرافق العمومية والرياضية باعتبارها الفضاء الأنسب للتعبير عن فرحها أو غضبها.
رغم كل ردود الفعل وتبادل الاتهامات بين الفاعلين، الا أن الظاهرة في الجزائر لم تصل درجة الخطورة التي تقتضي التهويل ومزيدا من الاحتقان، بل تتطلب المرافقة والمعالجة بدلا من المحاربة، لأن استعمال مصطلح محاربة العنف يحمل في طياته عنفا لفظيا لا يمكن استعماله لمواجهة ظاهرة عالمية قد لا يكون سببها كل الجمهور، أو الحكم أو اللاعب أو المسير أو حتى الاعلامي والمحلل، وقد يساهم فيها كل هؤلاء، اضافة الى عوامل أخرى نفسية واجتماعية وأخلاقية، تقتضي من كل واحد القيام بواجبه ودوره في مجتمع جزائري يشهد تحولات عميقة مثل غيره من المجتمعات، وينبغي التعامل معها بإيجابية ومسؤولية.

إعلامي جزائري






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد