العدوان الصهيوني على إيران

mainThumb

15-06-2025 10:57 PM

المواقف العربية المتخاذلة من الحرب الصهيونية على إيران تحتاج إلى قارئة فنجان، بعد أن عجزت كل اللغات عن تفسيرها. الحرب التي تدور روحها جوًّا عدوانٌ صهيوني على بلدٍ إسلامي، والرد من ذلك البلد على أرضٍ عربيةٍ محتلة اسمها فلسطين.

لأن بعض العرب أصابهم تلوث فكري صهيوني، وأصبحوا يسمّونها بإسرائيل، وأمامهم الأول أنور السادات قال عنها "يهودا والسامرة" مجاملًا سفاح دير ياسين مناحيم بيغن. والأكثر غرابة: لماذا إيران وحدها من يعادي الكيان الصهيوني؟ ولماذا الكيان الصهيوني يرى فيها الخطر الذي يهدد وجوده؟

رغم أنه لا يربطه بإيران حدود. إضافة إلى ذلك، فإن الغرب الإمبريالي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الشريرة، يقف إلى جانب هذا الكيان الاستيطاني السرطاني. وأمريكا التي تلعب الدور الأبرز في هذا العدوان الإجرامي إلى جانب الكيان الصهيوني، لا يقل دورها عن دورها في نكسة حزيران/يونيو الأليمة عام 1967م. ففي العدوانين كانت أمريكا هي الأساس، والكيان الصهيوني مجرد تابع صغير، لا يختلف دوره عن دور إرهابيي ليبيا الذين تعاونوا مع الناتو، وكانوا يمشون خلفه، ودورهم قتل الأسرى أو الجرحى من الجيش العربي الليبي.

إيران الشاه كانت ذات يوم شرطي أمريكا في المنطقة، وقبلةً سياسية لكل الأنظمة المعدَّلة أمريكيًّا، وأكبر داعم للكيان الصهيوني في كل حروبه مع العرب من النكبة إلى النكسة إلى حرب الاستنزاف إلى حرب أكتوبر، وهذا ما أكده هنري كيسنجر في مذكراته، معلّقًا على تخلي أمريكا عن أهم وأكبر عملائها في المنطقة، معددًا سياساته في خدمة أمريكا وكيانها الصهيوني.

وكانت إيران في ذلك الوقت حليفًا موثوقًا أيضًا لكل الأنظمة التابعة لأمريكا. وعندما قامت الثورة، ناصبها العرب العداء، ووقفوا في الخندق الصهيوأمريكي ضدها، في الوقت الذي أعلنت فيه الثورة الإسلامية في إيران عداءها لأمريكا، وأغلقت السفارة الصهيونية، ووضعت مكانها سفارة فلسطين العربية، شأنها بذلك شأن كل ثورة تغيير، سواء كانت إسلامية أو قومية عربية، لا ترى في فلسطين إلا بلدًا عربيًّا إسلاميًّا لكل أبنائه من كل الأديان، بما في ذلك اليهود العرب قبل الانتداب البريطاني الخبيث.

بلادنا العربية لم تعرف التعصب الديني أو المذهبي، وكنا نعيش كعرب في فلسطين وغيرها حتى جاء الانتداب البريطاني، ودعم الحركتين الوهابية في الجزيرة العربية، والصهيونية في فلسطين، وأقامت الحركة الصهيونية هذا الكيان الاستيطاني الذي لا يرى نفسه إلا أن يكون الأقوى، والقادر على التوسع، ويحمل مشروعًا أكبر من حجمه بمئات المرات: مشروع من الفرات إلى النيل، مشروع الهيمنة على كل المنطقة، بما في ذلك إيران وتركيا، الأخيرة التي للأسف كانت أول دولة إسلامية تعترف بهذا السرطان في قلب الوطن العربي.

لكن ما يحيرني هو الموقف العربي المتخاذل، وبعضه المتواطئ على فلسطين وتدمير غزة تحديدًا، واليوم على إيران. ألم يمر الطيران الصهيوني من أجواء عربية في عدوانه على إيران؟ التي لو أرادت أن تنافق، لأبقت الحال بعد الثورة كما هو، السفارة الصهيونية في قلب طهران، وأصبحت تتحدث بسياسة منافقة يقبلها الغرب عن "الشرعية الدولية" التي هي حبر على ورق، ولا أحد يطالب بها إلا العرب العاجزون.

لكن الثورة الإسلامية الإيرانية أول عمل قامت به هو إغلاق السفارة الصهيونية، وإقامة سفارة فلسطينية على أنقاضها، وأعلنت العداء للصهيونية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك وقف ويقف منها عرب أمريكا موقف العداء والشيطنة تحت مسمّيات مختلفة.

وأكثر ما يحيرني أولئك الدهماء الذين يخشون من التشيّع المستحيل، ولا يخشون "الصهينة" كأمر واقع وخطر داهم، رغم أن في إيران ذاتها يعيش الملايين من أتباع المذهب السني، ولم تشيّعهم، ويعيشون إلى جانب إخوانهم كأي مكون من النسيج الإيراني المحترم.

ومتى كان للطائفية البغيضة الصوت العالي الذي نسمعه اليوم بكل أسف، إلا بعد احتلال العراق، والعمل بسياسة "فرق تسد" التي اخترعتها بريطانيا العظمى سابقًا، وورثتها أمريكا الصهيونية. ومن العيب والعار أن يقف البعض، سرًا وعلنًا، مع العدو الصهيوني.

ومن يتابع بعض المحطات الناطقة بالعربية يُصاب بالغثيان، فهي محطات متصهينة أكثر من الإعلام الصهيوني ذاته. ورغم كل هذا الوباء والتلوث الفكري، لا تزال الفطرة العربية في أغلبها سليمة، ومع إيران ضد الكيان الصهيوني، العدو المشترك. ولعل منظر تل أبيب وحيفا وكل الكيان وهو يحترق ويدمَّر أدخل الفرحة والبهجة في كل بيت عربي وحر في هذا العالم، وليس العرب وحدهم، ولا سيما فرحة أهلنا في غزة. شكرًا لإيران الثورة.

ولكن ما يضحكني ضحكًا كالبكاء، أولئك الدهماء الجالسين على قارعة الطريق، جماعة "اضرب الظالمين بالظالمين وأخرج سالمًا"! ولكن هذه حربك، ولأجل مستقبلك ومقدساتك، فإلى متى الهروب إلى الأمام؟

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا نامت أعين الجبناء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد