لماذا تُدفن المواهب في القرى؟

mainThumb

20-06-2025 07:58 PM

في زوايا بعيدة من الوطن، بين الحقول والجبال، تنمو أرواح صغيرة تحمل طاقة مذهلة، وأفكارًا خلّاقة، وأحلامًا تُشبه الشمس. حيث الهواء أنقى، والقلوب أصدق، تنبت مواهب حقيقية... لكنها غالبًا لا تُرى، ولا تُصقل، ولا تُعطى فرصة واحدة لتُزهر.
السؤال الذي يؤلم ويُلّح: لماذا تُدفن المواهب في القرى؟
الموهبة لا تعرف عنوانًا... لكن الاهتمام يفعل
الموهبة لا تسأل عن المكان، ولا تُقيدها جغرافيا. قد يولد مبدع في بيت طيني، أو شاعر في قرية نائية، أو فنان يرسم على جدران المدرسة المتشققة.
لكن الموهبة وحدها لا تكفي. لا بد من عين تراها، وبيئة تشجعها وتحفّزها، وفرصة تؤمن بها. وهذا ما تفتقر إليه قرانا اليوم، للأسف.
غياب البنية... وتجاهل الإمكان
في معظم القرى، تغيب المراكز الثقافية، ولا وجود لمسارح أو نوادٍ فنية أو حاضنات إبداعية. حتى المدرسة، التي يُفترض أن تكون حاضنة للمواهب، أصبحت تركز على التلقين والنجاح في الامتحان، لا على الاكتشاف والتميز.
الطفل الذي يُتقن الرسم لا يجد معلمًا يُوجّهه. الطفلة التي تكتب الشعر لا تجد من يقرأه أو يسمعه. الفتى الذي يملك صوتًا نادرًا، لا يملك وسيلة ليُقدّمه للعالم.
العدالة في الفرص... لا في الكلام
نتحدث كثيرًا عن “العدالة في التعليم” و”تمكين الشباب” و”اكتشاف المواهب”... لكن الواقع أن الطفل في المدينة تُتاح له فرص لا يحلم بها نظيره في القرية.
الإبداع لا يحتاج فقط قلمًا ودفترًا، بل مناخًا، وإيمانًا، ومَن يقف خلفه.
حين تتحول القرى إلى مقابر للإبداع
القرى مليئة بالكنوز البشرية. لكنها بلا أدوات تنقيب.
وبين الفقر وقلة الإمكانات والموارد، وسطحية النظرة للمواهب خارج العاصمة، تُصبح القرى بيئة طاردة للمبدع، ومحبطة للتميّز، ومحطّمة لطموح الطفل الذي يجرؤ أن يحلم.
الحلول تبدأ من الإنصاف، لا التجميل
نحتاج إلى استراتيجية وطنية لاكتشاف المواهب الريفية، تشمل المدارس، والبلديات، والمراكز المجتمعية.
نحتاج إلى تدريب المعلّمين على رصد الموهبة في الصفوف الأولى.
نحتاج إلى أن نوسّع تعريف “النجاح” ليشمل الفن، والأدب، والرياضة، والابتكار، والاكتشاف، والتصميم، لا فقط المعدلات.
ونحتاج إلى إعلام يُسلّط الضوء على أبناء القرى المبدعين، لا فقط مشاهير المدينة.
الموهبة التي لا تُكتشف، لا تُنكر، لكنها تُظلَم.
والقرية التي تُهمَل فيها الطاقات، تصبح فقيرة، ليس فقط اقتصاديًا... بل فكريًا وثقافيًا.
فلنُعد النظر: كم من عبقري دفنّاه لأن عنوانه كان قرية؟
وكم من موهبة خسرها الوطن لأننا لم نذهب إليها... بل انتظرناها أن تصل إلينا؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد