فتاوى شيوخ وجدالات بالجملة

mainThumb

23-07-2025 12:53 AM

في الوقت الذي تحولت فيه أغنية «تراينين سيزن/موسم التمرين» لنجمة البوب الألبانية البريطانية دوا ليبا الى صلاة-تريند يبدأها رواد السوشيال ميديا بالبسملة ويختمونها مؤمنين، ورفع الأيدي دعاء بين جمهور حفلاتها، هي المعددة لمزايا محبوب قلب محتمل، يعيش المغرب العربي على خطاب الأئمة الجدد والفتاوى الرقمية.

العجوز والمراهقة

يبدو أهل المملكة المغربية وقد وجدوا حطبا لمحرقة ستلهب الأجواء، رغم درجات الحرارة اللطيفة التي تخيم على العديد من مدن البلاد عكس مناطق واسعة من العالم. السبب مراهقة اقتربت من سائح كوري جنوبي في مدينة الدار البيضاء، واقترحت عليه أن يتزوجها بعد حديث طويل دار بينهما، القصة التي تتجاوز إمكانيات حدوثها احتمالات استحالتها بكثير، تحولت لمادة للتهكم والسخرية، بل وحتى الاندهاش المقترن بشيء من النفاق، أما المؤكد أن المراهقة التي تبدو ككثيرات من بنات جيلها مهووسة بالثقافة الكورية، لم تتوقع في أسوأ كوابيسها (أو أحسن أحلامها) أنها أمام مؤثر على السوشيال ميديا وأن ما فعلته سينال شهرة عالمية.
« تذكروا وجهها جيدا»، «لقد شوهتنا»، «ها قد أصبحت لنا شهرة عالمية»، «وجب معاقبتها، لقد أساءت للبلد بأكمله»، «لو كان مغربيا لاتهمته بالتحرش»، كانت من بين كثير أصرت على تحميل الفتاة أثقل مما تطيق.
خصوصا وأن الهوس بكوريا الجنوبية وثقافتها قد تحول لظاهرة عالمية، بل أن تقارير اعلامية جادة قد أرجأت تعزيز العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان مثلا الى الدراما الكورية التي على ما يبدو لها أثرها على زوجات السياسيين تحديدا.
القضية التي لا تزال تثير الرأي العام المغربي، وتتفنن في سلخ الصغيرة جاءت تماما أسبوعا بعد أن أثارت تصريحات لرئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الاله بنكيران الجدل واسعا، اذ دعى المغربيات لتقديم الزواج على الدراسة والعمل. تصريحات أثارت النقاش، خصوصا وأنها من رأس أقوى حزب في البلاد. احتدم الجدل بين مختلف التيارات، وجدت المجموعات النسوية كلام الرجل رجعيا، وجوه اليسار المغربي أعابت عليه خطابا شعبويا غير مؤسس، أما رواد السوشيل ميديا فتباينت آراؤهم، نال الشيخ الكثير من الثناء بينهم: «عنده حق»، «إنه رجل المرحلة»، «أصبحنا في زمن من يقول فيه الحقيقة يعد معتوها»(وإن عارضه فريق منهم). أما المثير فيبقى التحول المريب لهذه الجحافل بين الثناء على حجج الرجل ذي اللحية المشذبة والعداء الصريح لما أتته الصغيرة.

شهادات وفتاوى

في الجزائر بالكاد تجد نتائج البكالوريا طريقا بين التريندات الوفيرة. نتائج السنة توجت فتيات على عرش المراكز الثلاثة الأولى على مستوى الجمهورية، عكس السنتين الماضيتين. الأمر الذي يبدو وقد أثار الحفائظ. «لا ذكر بينهن؟»، «لما هذا التمييز؟»، «إنهن في كل مكان» كانت تعليقات من بين كثير لم تستسغ إنجاز الفتيات الثلاث، مطالبة بمزيد من المرئية للصبيان، رغم الأرقام التي تثبت من عقود تفوق الإناث الدراسي، وسيطرتهن علم التخصصات كافة، عبر جميع أطوار التعليم الأولي والعالي. عكس الفتوى التي وإن اجتهد الفرقاء من تيارات الإسلام السياسي المتنوعة في تطويع السوشيل ميديا، إلا أنها لم تفرز بطلاتها من العارفات بعلوم الدين والدنيا.
لم تشفع درجات الحرارة المرتفعة في ضبط حمى «التباري» في المساواة بين حب الدارين. هكذا يقع الجزائري وهو يمرر الفيديوهات على إشهارات غريبة: حسنات بالجملة مقابل اقتناء شحاطات للمساجد، أخرى أكبر منها مقابل أكفان لا يعلم شيء عن مصيرها، مايوهات رجالية تستر «العورة»، وأخرى نسائية تغلف أجساد النساء حتى عيونهن، وتبشر بسباحة شرعية ممتعة.
الحقيقة أن الإعلانات لم تثر الجدل بقدر ما فعلت فتوى مراهق صغير أدلى بها بقلب قوي أمام كاميرا هاتف مستورد، وكرسي مصنع في الصين، مصرحا أن التكييف حرام شرعا يا إخوتي في الله. لم يكد ينهي الفتى كلامه حتى تحول لتريند في زوايا البلد الكبير الأربع. «لا يزال حليب أمه بين أسنانه وها هو يفتي؟»، «إنه مجنون صح؟»، «هل سبق أن زار الجنوب في هذا الوقت من السنة؟»، «نحن حرفيا نذوب» كانت شيئا من تعليقات مناهضة، أخذت كلام الولد على محمل السطحية.
«يعيدون إنتاج العشرية؟»، «ألم يكفنا كل القتل الذي عشناه؟»، «ألم نشبع بعد من فتاوى المراهقين، لــــقد حرق البلد بســـببهم قبل ثلاثين عاما». عبرت عن مواقف كثر من رواد السوشيل ميديا الذين استغربوا جرأة المــــراهق وهم يستحضرون وشوما قبيحة في الذاكرة الجمعية، خصوصا وقد تزامنت مع تريند آخر بيـــن صناعي ومؤثرة على السوشيل ميديا، تقدم نفسها كخبيرة تغذية، تجرأت وذكرت اسم علامة منتجاته من لحوم محولة، مؤكدة أنها (كغيرها من مواد من الفصيلة ذاتها) سبب للسرطان. المعلومة التي لا تخفى عن أي متابع لتقارير الصحة العالمية، واجهها الصناعي بحجج واهية وكثير من اللغو، متهما الفتــــاة بالابتزاز، ثم التجني على شكلها ولغتها. الحقيقة أن العاطفة فازت خلال السويعات الأولى، خصوصا وأن الرجل قدم نفسه كباحث، يتقن الكثير من اللغات ولا يتحدث سوى العربية، يــحترم بلده وأعرافها عكس الفتاة السافرة والمتمكيجة المتفرنسة (متــــــحدثة بالفرنسية) والعياذ بالله. «كان الله في عونكم»، «رأيتم أين تقودنا الــــسوشيل ميديا وجب غلقها»، «أين بلغت وقاحة هاته الفتيات؟» كــــانت شــــيئا من تعليقات مثنية على موقف الرجل، قبــــل أن تهدأ النفوس ويتعرف من جهل بأمر فيديو الفتاة على حججها، ويتدخل العقال من خبراء في تأكيد ما ذهبت إليه الصبية، التي لم يتأكد بعد ضلوعـــها في الابتزاز (التي يعاقب عليها القانون)، بقدر ما دحــــضت أي ادعاء يقول بتجاوز الفضاء العام الجزائري لريع صراعات أيديولوجية لا مكان لها منطقيا سوى متـــحف آثار قديمة.

كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد