سيادة الأردن… حيث تعصف بأوهام الضم

mainThumb

14-08-2025 03:59 PM

تصريحات رئيس وزراء إسرائيل الأخيرة، التي لوّح فيها بنيّة ضم أجزاء من الأراضي الأردنية والمصرية، تمثل تجاوزًا خطيرًا لكل القواعد والأعراف الدولية، وخروجًا صارخًا عن روح معاهدات السلام القائمة، وعلى رأسها معاهدة وادي عربة لعام 1994، والتي نصّت بوضوح على احترام سيادة كل طرف وسلامة أراضيه. هذا الخطاب الاستفزازي لا يمكن فهمه إلا كمحاولة لتصدير الأزمات الداخلية الإسرائيلية إلى الخارج وإشغال الرأي العام بسياسات شعبوية.
على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يدرك أن الأردن ليس غزة، وأن الظروف والحقائق على الأرض مختلفة جذريًا. الأردن دولة ذات سيادة مستقرة، وجيش عقائدي محترف، وأجهزة أمنية متطورة، وقيادة حكيمة، وشعب يقف صفًا واحدًا خلف قيادته في أي مواجهة تمس الوطن. هذا التماسك تجلى بوضوح عندما حاولت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ضمن ما عُرف بـ"صفقة القرن"، التلميح بخطط لتهجير الغزيين إلى الأراضي الأردنية. يومها، وقف الأردن رسميًا وشعبيًا موقفًا صلبًا، رافضًا هذه الأفكار بشكل قاطع، وأفشل هذه المحاولات بصلابة الموقف ووحدة الصف، ليؤكد للعالم أن الأردن لا يساوم على أرضه أو هويته الوطنية.
الأردن يتمتع أيضًا بعمق استراتيجي إقليمي ودولي، وأي اعتداء على سيادته سيُواجَه بردّ حازم داخليًا، وبمساندة عربية شاملة، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي الملتزم بالقانون الدولي، وخصوصًا ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في مادته الثانية على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما أن قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 242، تؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو مبدأ راسخ لا يمكن تجاوزه دون تعريض إسرائيل لعزلة سياسية وعقوبات محتملة.
ولعل على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يستحضر حقيقة أن الأردن، منذ تأسيسه، لعب دور صمام الأمان في المنطقة، وحافظ على استقرار حدوده الشرقية والغربية رغم كل العواصف الإقليمية. هذا الدور لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج سياسة متوازنة، وحكمة قيادته، وصلابة شعبه. أي مساس بهذا التوازن سيقابل ليس فقط بالرفض الأردني المطلق، بل بردود فعل إقليمية ودولية قد تغير قواعد اللعبة بأكملها في المنطقة.
لقد عبّر الاردن مرارًا وبكل وضوح عن موقف الأردن الثابت: "لا للتوطين، لا للوطن البديل، لا للتفريط في أي شبر من تراب الأردن". هذه ليست شعارات سياسية عابرة، بل عقيدة وطنية راسخة يدركها كل أردني، وتترجم إلى سياسات عملية على الأرض. ومن يظن أن الأردن قد يلين أو يتراجع أمام تهديدات أو أوهام التوسع، فهو واهم ويقرأ التاريخ والجغرافيا بشكل مغلوط.
إن العلاقة الرسمية بين الأردن وإسرائيل، رغم ما يعتريها من توترات، قائمة على التزامات واضحة في المعاهدات الدولية، وأي إخلال بها يضع إسرائيل في مواجهة عزلة إقليمية ودولية، ويقوض الثقة التي بُنيت على مدى عقود. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي حريصًا على مصلحة بلاده وأمنها، فعليه أن يحترم هذه الاتفاقيات، وأن يتجنب السياسات التي لن تجلب إلا المزيد من العنف وعدم الاستقرار.
ختامًا، نقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي: الأردن خط أحمر، أرضه وشعبه وقيادته وجيشه في وحدة لا تقبل المساس، وأي مغامرة في هذا الاتجاه ستكون عواقبها باهظة على إسرائيل قبل غيرها. الحكمة تقتضي احترام المواثيق الدولية وبناء علاقات متوازنة، لا هدمها بخطابات استفزازية لا تخدم سوى التطرف والفوضى.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد