تصريحات نتنياهو وما هو الجديد

mainThumb

23-08-2025 10:58 PM

أستغرب من الذين انتبهوا إلى الخطر الصهيوني فجأة، وكأنهم اكتشفوا أن هناك عدواً يتربص بالجميع، بعد أن خدعتهم اتفاقية وادي عربة. وإذا بهم يكتشفون أن العدو لم ولن يصبح صديقاً، وأنهم كانوا واهمين؛ غيّروا المناهج الدراسية وسمّموا أفكار الأجيال القادمة في كمٍّ لا يُحصى من التنازلات المجانية للعدو الصهيوني، الذي لم يزده ذلك إلا مزيداً من التطرف والإجرام والتوسع، وزاد في مناهجه مزيداً من الحقد والكراهية والتطرف. إنّها عصابة كأنها جاءت من خارج التاريخ البشري، عصابة سُمّيت في غفلة من الضمير الإنساني "حكومة"، ولتبرير ذلك قالوا: حكومة متطرفة! وقد زادها تطرفاً ما بعد عملية السابع من أكتوبر، حتى قيل إن رئيسها نتنياهو "حمامة سلام"، لكنه – يا للأسف – محكوم بأقصى اليمين الصهيوني المتطرف، وكأن نتنياهو من "اليسار المعتدل المحب للسلام"، وهو في الحقيقة ليس إلا الوجه الآخر لليمين المتشدد، إن جاز التعبير.

وجاء إعلانه أنه في "مهمة إلهية" ليُرعب المرعوبين النائمين في عسل أوهام "السلام" المزعوم، ومعاهدة وُلدت ميتة، وكلنا يعلم كيف وُلدت وادي عربة في أصعب الظروف وأقساها على أمتنا العربية. ومع ذلك، صدّقوا أن هناك معاهدة سلام تُسمى "وادي عربة". فإذا بأحلامهم ورهاناتهم تتحول إلى كوابيس مع أول تصريح لنتنياهو عندما رأى الفرصة لمشروعه الاستيطاني السرطاني.

وكأن تصريح نتنياهو جديد! وكأنّه كان "حمامة سلام" وفجأة تحوّل إلى إرهابي قاتل مدمّر، وكأن الإرهاب لم يكن أساس سياسته وسبب وجوده. هذا القاتل المجرم لم يُخفِ نفسه ولا أهدافه يوماً.

وهنا انتبهت الدولة وأعلنت إعادة تفعيل خدمة العلم الإلزامية. وأعلن ناطقها أنه لن يُستثنى أحد. وللأسف خرج علينا بعض الذكور المتصهينين من أشباه الرجال لترتفع أصواتهم النكرة: "ما بدنا نروح"، "خايفين يأكلنا العوا"، وغير ذلك من الهتافات الرخيصة التي جعلت من الوطن مهزلة أمام العالم.

فمن أوصل شبابنا إلى هذا المستوى من غياب الوعي والترهل، حتى وصل الأمر إلى "تاء التخنيث" لا "تاء التأنيث"، بلا أي شعور بالمسؤولية، فيما وطنهم يتعرض لتهديد وجودي؟ هؤلاء الذين أيقظهم تصريح نتنياهو، ألم يقرأ أحدهم مذكرات نتنياهو الصادرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي تحت عنوان "مكان تحت الشمس"؟ وما قاله تحديداً عن الأردن في الصفحة 90 أو 91 (إن لم تخني الذاكرة)؟ وهل تجرأ مسؤول أردني أو نائب في أيٍّ من المجالس المتعاقبة على مساءلة هذا "النتن" عمّا ورد في كتابه، حتى يُفاجأ الحالمون بتصريحه المستفز للأمة العربية كلها؟

لقد ناموا جميعاً مطمئنين؛ حكومات ونواب في مجالس متعاقبة، وحتى معارضون من مختلف المدارس السياسية، في عسل "السلام" المزعوم. وأيقظهم تصريح نتنياهو الصادم الذي طرد النوم من عيونهم، بعدما اعتادت الإغفاء في أوهام "اليسار الصهيوني المحب للسلام والتعايش". وتناسوا أنهم أمام أكبر تجمع صهيوني عنصري استيطاني توسعي منغلق. حتى الأمم المتحدة اعترفت أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، وللأسف أُلغي هذا القرار التاريخي عندما صدّق المهرولون أكذوبة "السلام". وتناسوا أن هذا الكيان المجرم يتسابق فيه اليمين واليسار أيهما يقتل أكثر من العرب ويحتل مزيداً من الأراضي.

إن هذا الكيان الاستيطاني السرطاني لم يتغير ولن يتغير، بل يُقلم نفسه حسب المراحل، فيما تبقى ثوابته من الفرات إلى النيل لا تتبدل. لكن للأسف، أنظمة الحكم العربي لا تقرأ إلا ما تمليه عليهم واشنطن، وتناسوا أن من أراد سلاماً حقيقياً فعليه أن يستعد للحرب، كما قال أحد القادة الرومان قديماً. ولا عزاء للصامتين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد