على شاشة التّلفاز .. إبادة جماعيّة

mainThumb

26-08-2025 01:40 AM

 

ساقني فضولي وتساؤلي هذا اليوم للبحث عن تاريخ أول بثٍّ تلفزيونيّ مباشرٍ؛ نقرتُ لوحة المفاتيح وكتبت السؤال على محرك البحث. على صفحة "ويكيبيديا" تقول المعطيات إنّ أول بثّ تلفزيوني مباشر و غير مسجل (Live Broadcast) كان في نوفمبر (تشرين الثاني) 1936 على قناة BBC البريطانية. مصادر أخرى تشيرُ إلى أنّ أول بثّ تلفزيوني مباشر كان سنة 1931 في قناة CBS الأميركية وكان نقلًا مباشرًا لحفل موسيقيّ. 
على مرّ السنوات، ظل الإنسان يلبّي حاجته المتنامية للتواصل؛ كانت الجرائد تجيب عن حاجته في نقل الأخبار، ثم جاء بعدها الراديو بوصفه أولَ وسيلة سمعية تنقل الأخبار و الخطابات وتذيع الموسيقى والبرامج الإذاعية، ثم بعدها ظهرت حاجة الإنسان إلى أن يرى الأحداث لا أن يسمعها فحسب، فكان التلفاز أداةً سمعية بصرية، نقل الأخبار والمعلومات والأفلام والخطابات ليصبح من أبرز المُنجزات التّكنولوجية في القرن العشرين. 
على شاشة التلفاز شاهد الإنسان تتويجَ الملكة إليزابيث سنة 1953، وهبوطَ أوّل رجل على سطح القمر سنة 1969، وسقوط جدار برلين سنة 1989. ناهيك عن نقل كبريات التظاهرات الرياضية والأولمبية، والكوارث الطبيعية. دون أن ننسى خطابات سياسيين كبار ظلّت مشاهدها محفورة في الذاكرة. 
لكنّ سؤالًا مُلحًّا يقفز إلى ذهني كما يقفز بهلوان مستفز في عرضٍ سيركيّ سخيف، ماذا بعد هذا التقدّم كله؟ كيف يعجز مَن نقل الصوت والصورة عبر الأقمار الاصطناعية وصعد إلى القمر واخترع الأدوية وبنى ناطحات السحاب وسافر عبر القارات، كيف يعجز العقل الذي أنشأ الحضارات وحاول فهم الكون أن يوقف إبادة جماعية و تجويعًا مستمرًا منذ 688 يومًا؟
كيف حصلت هذه القفزة الرهيبة في تاريخ البثّ التلفزيوني من نقل حفل موسيقيّ إلى نقل جرائم موثقة بالصوت والصورة وعلى المباشر؟ وكيف لا أحد ممّن يشاهد يحرّك ساكنًا أو حتّى إصبعًا ليقول لا في وجه هذه الوحشية كلها؟
أمس، 25 أغسطس (آب) من العام 2025، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي مجمّع ناصر الطبي في خانيونس، وحين ركض المسعفون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وجرى الصحافيون لتوثيق بشاعة الجريمة، قصفهم الجيش من جديد على المباشر ونحن جميعًا نشاهد. لأنّ المجرم تمادى في إجرامه ويبدو أن لا شيء أو أحدًا قادرًا على ردعه. سنظلّ هكذا نشاهد على أمواج الأقمار الاصطناعية مجازرَ موثقة صوتًا و صورة، كلّ ما باستطاعتنا فعله هو التأثر وإغلاق التلفاز أو تمرير الفيديو المباشر الموالي بحركة إصبع قبل أن نعترف أننا فشلنا بوصفنا جمهورًا يتفاعل.

ما أوسخ البشرية، ما أثقل عجزنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد