اللقاءات العشائرية… وحدة صف والتفاف حول القيادة

mainThumb

27-08-2025 12:16 AM

شهدت الساحة الوطنية الأردنية خلال الأيام الماضية سلسلة من اللقاءات العشائرية التي جسّدت عمق الانتماء الوطني ووحدة الصف الأردني، وذلك في أجواء حاشدة عكست تلاحم الأردنيين وحرصهم على الالتفاف حول القيادة الهاشمية المظفّرة، وفي مقدمتها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. وقد جاءت هذه اللقاءات بمبادرة كريمة من معالي الدكتور عوض خليفات، حملت في جوهرها رسالة واضحة تؤكد أهمية التماسك الداخلي في مواجهة التحديات، وترسيخ قيم الوحدة الوطنية والتلاحم المجتمعي، انطلاقاً من الدور التاريخي للعشائر الأردنية التي كانت وما زالت ركيزة أساسية في بناء الدولة الأردنية الحديثة.

لقد كان لي شرف المشاركة في هذا الحراك الوطني العشائري من خلال حضور اجتماعين بارزين جسّدا في تفاصيلهما معنى الأصالة والوفاء والانتماء. الأول جاء بدعوة كريمة من الباشا أمجد بادي عواد الرديني، حيث انعقد اللقاء في ديوان بيت الزعيم الوطني الراحل بادي عواد الرديني الخضير – بني صخر، رحمه الله، مساء السبت الموافق الثاني من آب 2025. تميز الاجتماع بحضور واسع من وجهاء وشيوخ العشائر وأساتذة الجامعات ورجال الفكر والسياسة، الذين أكدوا خلال كلماتهم ومداخلاتهم التفافهم حول قيادة جلالة الملك، وتمسكهم بالثوابت الوطنية، وحرصهم على تعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة مختلف التحديات. وقد غصّ الديوان بالحضور الذين توافدوا من شتى محافظات المملكة، في مشهد يعبّر عن مكانة هذه العشيرة ودورها الوطني الراسخ.

أما الاجتماع الثاني، فقد تشرفت بالمشاركة فيه في مضارب الحويطات بدعوة كريمة من الشيخ محمد الحميدي الذيابات أبو سلطان، وذلك يوم السبت الموافق الثالث والعشرين من آب 2025. وقد عكس هذا اللقاء بدوره الصورة الحقيقية لعمق التواصل بين العشائر الأردنية، وحرصها على التشاور والتعاون في إطار وطني جامع يعلي مصلحة الأردن فوق كل اعتبار. فقد شهدت الأمسية حضوراً كبيراً من وجهاء العشائر وقيادات اجتماعية وأكاديمية، عبّروا جميعاً عن دعمهم لقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، وتأكيدهم على أن وحدة الأردنيين هي السد المنيع في وجه التحديات. وتميزت الجلسة بحوار معمّق عبّر عن وعي سياسي واجتماعي متقدّم، واحتفاء بالعادات الأصيلة التي شكّلت عبر التاريخ صمام أمان للمجتمع الأردني.

وقد جاءت الاجتماعات في ديوان الخضير ومضارب الحويطات متوازية في الأهمية والمضمون، حيث جسّدت كل منهما إرادة صادقة في صون الهوية الوطنية، وتعزيز قيم الانتماء والوفاء، وإبراز الدور التاريخي للعشائر في حماية الوطن وصيانة وحدته. وقد عبّر الحضور في كلا اللقاءين عن اعتزازهم الكبير بهذا النهج التواصلي، مؤكدين أن هذه اللقاءات ليست مجرد تجمعات اجتماعية، بل رسائل سياسية ووطنية تحمل معاني الولاء والانتماء، وتبرهن على أن الأردن قوي بأبنائه وموحد بقيادته.

وما يزيد هذه اللقاءات قيمة ومعنى أنها لم تكن محصورة في منطقتين بعينهما، بل جاءت ضمن سلسلة متصلة من الاجتماعات العشائرية، بلغ عددها نحو ستة عشر اجتماعاً في مختلف مناطق المملكة. هذه اللقاءات، التي جمعت العشائر الأردنية على اختلاف مواقعها الجغرافية، تؤكد أن التلاحم الوطني ليس حدثاً عابراً بل نهجاً متواصلاً، وأن الأردنيين، بكل مكوناتهم، يدركون أن قوة الوطن في وحدته، وأن الجبهة الداخلية هي صمام الأمان الحقيقي للأردن في مواجهة ما يحيط به من تحديات إقليمية ودولية.

إن هذه الحرك العشائرية المباركة، بما حملته من مضامين سياسية واجتماعية ووطنية، تؤكد أن الأردن سيبقى عصياً على التفرقة والاختلاف، وأن إرادة أبنائه ستظل متجهة نحو تعزيز أمنه واستقراره. فهي تعبير عن وحدة العشائر تحت راية الدولة، وتجديد دائم للعهد والولاء لجلالة الملك عبدالله الثاني، وتجسيد عملي لحقيقة أن الأردن وطن واحد يجمعه الانتماء والوفاء والالتفاف حول قيادته الهاشمية.إن مثل هذه الاجتماعات العشائرية ليست مجرد مظاهر اجتماعية، بل هي رسائل سياسية بليغة إلى الداخل والخارج على حد سواء. فهي تترجم واقعاً حقيقياً مفاده أن الأردن، رغم كل ما يحيط به من تحديات إقليمية وضغوط اقتصادية وسياسية، يبقى متماسكاً بفضل تلاحم أبنائه ووعي قيادته وحكمة مؤسساته. كما تعكس تلك اللقاءات استعداد الأردنيين الدائم للدفاع عن ثوابتهم الوطنية في مواجهة أي تهديدات قد تستهدف أمنهم واستقرارهم.

وما يضاعف من أهمية هذه اللقاءات أنها تجسد مفهوماً متقدماً للأمن المجتمعي، حيث تتحول العشائر من مجرد كيانات اجتماعية إلى روافع وطنية، تدرك دورها الحيوي في حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز منظومة القيم التي تحافظ على تماسك المجتمع الأردني. فالعشائر لم تكن يوماً مجرد عنصر تراثي أو موروث اجتماعي جامد، بل هي مؤسسات مجتمعية حية تواكب التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتدرك أن واجبها يتجسد اليوم في دعم الدولة وتعزيز سيادة القانون والوقوف خلف القيادة في كل المواقف المصيرية.

لقد أثبتت الأمسية الأردنية العشائرية في ديوان الخضير، كما أثبتت اللقاءات الأخرى في مضارب الحويطات وغيرها، أن العشائر الأردنية لا تزال تمثل الدرع الحصين للوطن، وأنها قادرة على التكيف مع المستجدات دون أن تفقد هويتها الأصيلة. كما أكدت أن الجامع الوطني الذي يوحّد الأردنيين أكبر وأعمق من أي خلافات جزئية أو حسابات آنية، وأن البوصلة ستبقى دائماً متجهة نحو حماية الأردن وتعزيز مكانته في محيطه العربي والإقليمي.

إن المشاركة الواسعة في هذه اللقاءات، سواء من قبل وجهاء العشائر أو الأكاديميين والمثقفين، تعكس وعياً وطنياً متنامياً بضرورة الجمع بين الأصالة والمعاصرة. فالعشائر الأردنية التي كانت على الدوام ركيزة الدولة ومنبع رجالاتها، تنفتح اليوم على الفكر الأكاديمي والخبرة السياسية، في معادلة متكاملة تؤكد أن قوة الأردن تكمن في تضافر مختلف مكوناته ومؤسساته.

ويمكن القول في المحصلة إن هذه اللقاءات العشائرية ليست سوى تجديد للعهد والولاء والانتماء، ورسالة واضحة بأن الأردن سيبقى متماسكاً وموحداً خلف قيادته الهاشمية. فهي لحظة أردنية بامتياز، يتلاقى فيها الماضي العريق مع الحاضر الحافل بالتحديات، لتؤكد أن مستقبل الأردن سيكون أكثر صلابة وإشراقاً طالما بقيت إرادة أبنائه متوحدة، وقلوبهم مجتمعة على حب الوطن والالتفاف حول قيادته.

 

استاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد