اليرموك… حين يصبح التفوق تهمة

mainThumb

05-09-2025 11:26 AM

لا يزال الأكاديميون والإداريون في جامعة اليرموك يعيشون تحت تأثير صدمةٍ مدوية أعقبت قرار لجنة اختيار رئيس الجامعة. اللجنة قررت تقليص قائمة المرشحين من خمسة عشر مرشحًا إلى خمسة فقط، بينهم مرشح وحيد من أبناء الجامعة، بعد أن جرى استبعاد أربعة من الكفاءات اليرموكية التي كانت ضمن القائمة الأولية. صدمة لم تأتِ من مجرد الأرقام، بل من المعايير الغامضة التي تم استخدامها في التقييم، تلك المعايير التي لا يعرف لها أحد شكلًا ولا لونًا، سوى أنها نجحت بامتياز في إقصاء أبناء الجامعة الأكثر خبرة وكفاءة، وإبقاء علامات استفهام تحاصر اللجنة من كل جانب.

لقد كان استبعاد أربعة من أبرز قيادات الجامعة الأكاديمية صفعة قاسية للوسط الجامعي. فهؤلاء ليسوا أسماءً عابرة، بل قامات مشهود لها بالكفاءة على المستويين الوطني والإقليمي، بل والدولي أيضًا. بينهم من له حضور علمي وإداري لامع، ومن قاد الجامعة باقتدار في أصعب الظروف أثناء غياب الرئيس، ومن تولى مسؤوليات كبيرة فأدارها بحنكة واقتدار، ومن نشر أبحاثًا في أرفع الدوريات، وحصد جوائز دولية، وأشرف على أجيال من طلبة الدراسات العليا، وكان مرجعًا علميًا داخل الوطن وخارجه. ومع ذلك… بكل بساطة، بكل استهتار، تم وضعهم جميعًا على رفّ الاستبعاد، وكأن سيرهم الذاتية ليست إلا ملفات عادية لا تختلف عن أي طلب وظيفة عابر!

السؤال الفاضح الذي يطرحه الجميع: هل صارت الكفاءة عبئًا على معاييركم الجديدة؟ هل الإنجاز والخبرة والسمعة الأكاديمية تحوّلت إلى تهم تستوجب العقوبة؟ هل المطلوب أن يكون الرئيس القادم بلا سجل يذكّر الآخرين بتقصيرهم؟ وهل نكافئ من رفع الجامعة عاليًا بالاستبعاد، بينما نلمّع من لا يملك ربع هذا الرصيد بالترشيح؟

المشهد لا يثير الغضب فقط، بل يثير السخرية المرة. نحن نعيش في زمن تُحوَّل فيه النجاحات إلى "جرائم"، وتُصاغ فيه المعايير بطريقة تجعل من التفوق مشكلة ومن الإنجاز خطيئة. الرسالة التي وصلت واضحة وصريحة: "أيها المبدعون، لا ترهقوا أنفسكم… الكفاءة ليست طريقكم للمناصب، ابحثوا عن وصفة أخرى!"

إن استبعاد هؤلاء الأربعة ليس خسارة لهم شخصيًا، بل هو خسارة لجامعة اليرموك وللوطن بأكمله. إنها صفعة معنوية تقول للجامعة: "نحن لا نريد أبناءكم المتميزين"، وتقول للوطن: "إنجازاتكم الكبيرة غير مرحب بها هنا".

وتزداد في هذا السياق تحذيرات ومخاوف الوسط الأكاديمي من أن تستمر عملية تقييم المرشحين بنفس هذه الآلية الغامضة، مما يعني في النهاية اختيار رئيس جامعة وفق أسس غير مفهومة، رئيس سيكون في نظر أبناء اليرموك بلا شرعية حقيقية، الأمر الذي سيجعل التعامل معه أو التعاون معه مهمة شبه مستحيلة، ويعيد الأزمة إلى المربع الأول. والسؤال الكبير: هل يتدارك صُنّاع القرار هذا الانحراف الخطير، أم أن ما يحدث مقصود ومخطط له، وبفعل فاعل، لإضعاف مؤسسة وطنية بحجم جامعة اليرموك؟

معالي وزير التعليم العالي: هل هذه هي الرسالة التي نوجّهها للعقول الأردنية التي صنعت سمعة علمية عالمية؟ هل هذه هي الطريقة التي نكافئ بها من حملوا الجامعة على أكتافهم ورفعوا اسمها عاليًا في الداخل والخارج؟ أليس إنصاف هؤلاء الأربعة استحقاقًا وطنيًا قبل أن يكون استحقاقًا شخصيًا؟

إن ما يجري اليوم ليس مجرد قرار إداري يتعلق بمنصب أكاديمي. إنه اختبار لمصداقية منظومة التعليم العالي أمام الرأي العام. اختبار يكشف: هل ما زلنا نؤمن بالكفاءة والإنجاز؟ أم أننا سلّمنا زمام الأمور لوصفات سحرية لا علاقة لها بالعلم ولا بالجامعة ولا بالوطن؟

ومع كل هذا، يبقى الرهان على عقل الدولة في أن يتم الانتصار للمصلحة العامة، وخصوصًا أنه قد بقي من بين المرشحين الخمسة مرشح يتيم من أبناء جامعة اليرموك، يملك قدرات كبيرة وإمكانات جيدة، إذا ما مُنح الفرصة لقيادة الجامعة في الأيام القادمة. فهل ينتصر المنطق وتُحترم الكفاءة، أم نُصرّ على تحويل التفوق إلى تهمة والإنجاز إلى عقوبة؟

استاذ الفيزيا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد