أبراج المراقبة في العصر الرقمي

mainThumb

07-09-2025 08:05 AM

وبما أن منصات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا في عصرنا الرقمي الحالي، فهي تشكل كيفية تواصلنا واستخدامنا للمعلومات. فلم تعد هذه المنصات مجرد أدوات للتواصل، بل أصبحت اليوم أشبه بـ أبراج مراقبة رقمية، حيث يراقب كل منا الآخرين ويُراقَب في الوقت نفسه. هذه المنصات – فيسبوك، إنستغرام، تويتر/إكس، تيك توك، ولينكدإن – أعادت تشكيل طريقة تواصلنا واستهلاكنا للمعلومات، لتصبح حياتنا اليومية أكثر انكشافاً وارتباطاً بالفضاء الافتراضي.

واحدة من أبرز سمات هذه المنصات هي التدفق المستمر للمحتوى. فموجز الأخبار على فيسبوك، والخلاصات المرئية على إنستغرام وتيك توك، والتغريدات المتتابعة على تويتر/إكس، جميعها تعمل كـ "نوافذ" تطل على حياة الآخرين. نرى من خلالها صورهم، أفكارهم، آرائهم، وحتى تفاصيل أنشطتهم اليومية. هذه التدفقات ليست مجرد محتوى، بل هي انعكاس لهوياتنا الرقمية التي نصوغها ونعرضها أمام دوائرنا الاجتماعية. وتسمح بمراقبة أحداث وتجارب الأشخاص المراقبين في دوائرهم الاجتماعية والتعليق عليها والتفاعل معها.

وتلعب الأحداث والتفاعلات المباشرة دوراً محورياً في هذا المشهد بدءًا من حفلات أعياد الميلاد وحتى الاحتجاجات. فعلى فيسبوك يمكننا إنشاء فعاليات ومشاركتها، وعلى إنستغرام وتيك توك نتابع البثوث المباشرة والقصص اليومية، بينما على تويتر/إكس تنبض النقاشات في الوقت الحقيقي. هذه الأحداث لا تنظم فقط تجمعات شخصية أو عامة، بل تتحول إلى ساحات للتفاعل الاجتماعي والنشاط المجتمعي، وعروض مرئية للجميع يتابعها ويشارك فيها ليس فقط آلاف بل ملايين المستخدمين.

وما يميز هذه المنصات أيضاً هو قدرتها على تضخيم الأصوات. فبضغطة مفتاح واحد يُمكن أي منشور من الوصول إلى الملايين. هذا يفتح الباب أمام الأفراد للتأثير في قضايا عامة، ونشر الوعي، والمشاركة في صنع الرأي العام. وهنا تتجلى قوة هذه الأبراج الرقمية كوسيلة للتغيير والتأثير الثقافي والسياسي.

لكن مع هذا الانفتاح، يبرز سؤال جوهري: ماذا عن الخصوصية؟ إن مشاركة تفاصيل حياتنا على هذه المنصات تجعلنا عرضة للتدقيق والتقييم من الآخرين. ومع اعتماد هذه الشبكات على الخوارزميات التي تحدد ما يظهر لنا استناداً إلى تفضيلاتنا وتفاعلاتنا، فإننا قد نجد أنفسنا محاصرين داخل "غرف صدى" لا تعرض لنا سوى وجهات نظر متوافقة مع آرائنا، مما يعزز الانقسام أو يرسخ القناعات المسبقة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي لهذه الأبراج الرقمية. فهي أدوات قوية للبقاء على التواصل العالمي، ومصادر للأخبار والمستجدات، إضافة إلى كونها منصات للنشاط والتغيير الاجتماعي. كثير من الحملات والقضايا العالمية وجدت جذورها وانتشرت عبر هذه القنوات.

في النهاية، يمكن القول إن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت أبراج المراقبة الحديثة: فضاءات نطل منها على الآخرين ويطلون علينا، حيث نصنع ونشارك رواياتنا الرقمية يومياً. وبينما نستمتع بفرص التعبير والتواصل التي توفرها، علينا أن نتذكر أثر حضورنا في العالم الافتراضي، وأن نستخدم هذه الأبراج بوعي يحافظ على توازننا الإنساني والأخلاقي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد