الأبعاد الإجتماعية للرياضة
كرة القدم ليست مجرد لعبة أو صناعة أو وسيلة للترفيه، بل هي مؤسسة اجتماعية تحمل أبعادًا عميقة تتجاوز حدود الملاعب. فهي تؤثر في علاقات الناس، وتبني هويات جماعية، وتفتح مساحات للنقاش والتعبير، ويمكنها أن تجمع المجتمعات أو تكرّس الانقسامات بينها. الأبحاث العلمية والدراسات الأكاديمية، أثبتت أن للرياضة، وخاصة كرة القدم، أثرًا اجتماعيًا متنوعًا، يتراوح بين تعزيز قيم الانتماء والتعاون من جهة، والمخاطر المرتبطة بالعنف والتعصب من جهة أخرى.
إن مشاركة الأردن لأول مرة في كأس العالم 2026 تمثل حدثًا تاريخيًا يواكب تزايد الاهتمام بالرياضة في المملكة، ويمنح كرة القدم بعدًا جديدًا بوصفها رمزًا وطنيًا ومجتمعيًا. فهذه اللحظة لا تتعلق فقط بالمنافسة الرياضية، بل بقدرتها على تعزيز روح الانتماء والاعتزاز الوطني، وإلهام الأجيال الصاعدة نحو العمل الجماعي وتحقيق الطموحات. وهنا تبرز أهمية الاستفادة من هذا الزخم الرياضي في ترسيخ القيم الاجتماعية الإيجابية.
الدراسات أثبتت أن المشاركة في الرياضة المنظمة، خصوصًا الرياضات الجماعية، ترتبط بزيادة الروابط الاجتماعية وتحسين الصحة النفسية وتطوير مهارات التعاون والدعم المتبادل. لكن هذه الآثار ليست تلقائية، بل تعتمد على جودة البيئة الرياضية من حيث التدريب، والشمولية، والسلامة، إضافة إلى السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي تتم فيه الممارسة.
كرة القدم على وجه الخصوص تتمتع بقدرة فريدة على خلق شعور بالانتماء الجماعي، إذ يستطيع جمهور اللعبة أن يبني هويته الشخصية من خلال التشجيع والانخراط في الطقوس الجماعية مثل الهتافات والألوان والأغاني. هذا الارتباط العاطفي يمنح المشجعين دافعًا للقيام بسلوكيات إيجابية، كالمشاركة في الحملات التطوعية والتضامن المجتمعي. لكن الوجه الآخر هو أن هذه الهوية قد تتحول إلى مصدر للتوتر والعنف عندما تُستغل في تعميق الانقسامات أو في إذكاء مشاعر الكراهية تجاه الآخرين.
في الجانب التربوي، تشكل كرة القدم أداة فعالة لتنمية الشباب، إذ تعزز مهارات القيادة والانضباط الذاتي والعمل الجماعي. وتؤكد الأبحاث أن البرامج الأكثر نجاحًا هي التي توفر بيئة آمنة، وموجهين بالغين يدعمون القيم الإيجابية، وأهدافًا تعليمية واضحة تتجاوز مجرد الفوز والخسارة. في المقابل، إذا افتقرت البيئة الرياضية إلى التنظيم أو شابتها الممارسات الإقصائية، فقد تسهم في تكريس التفاوتات الاجتماعية أو دفع بعض الشباب إلى سلوكيات سلبية.
ولا يمكن إنكار أن كرة القدم تحمل أيضًا جانبًا مظلمًا يتمثل في بعض مظاهر العنف أو الشغب المرتبطة بجماعات مشجعة متطرفة. وقد وجدت الدراسات أن هذه الظواهر تتركز في مجموعات صغيرة من المشجعين شديدي الارتباط بهوية معارضة أو عدائية، خاصة في سياقات تعاني من تهميش اجتماعي أو ضعف في الضوابط المؤسسية. وللتعامل مع هذه الظواهر، أثبتت السياسات التي تجمع بين الأندية والسلطات المحلية وجماهير الكرة فعالية في تقليل العنف وتعزيز بيئات آمنة.
كرة القدم أيضًا مسرح للتعبير عن الهوية الوطنية، حيث تتحول المباريات إلى رموز ثقافية تؤطر الشعور بالانتماء وتعيد صياغة صورة الوطن في أعين مواطنيه والعالم. وفي السياق الأردني، يشكل التأهل إلى كأس العالم فرصة لترسيخ صورة شمولية تحتفي بالتنوع وتعزز الوحدة الوطنية، بدلًا من الاقتصار على الانتماءات الضيقة.
غير أن اللعبة ما زالت تواجه تحديات تتعلق بالشمولية والعدالة، خصوصًا في ما يخص مشاركة النساء والفتيات. فقد أثبتت الأبحاث أن مشاركة النساء في الرياضة تؤدي إلى فوائد بعيدة المدى على مستوى التعليم وفرص العمل والتمكين الاجتماعي، لكنهن ما زلن يواجهن عوائق تتعلق بقلة الدعم والتمويل وضعف التغطية الإعلامية. معالجة هذه الفجوة تمثل ضرورة أخلاقية واجتماعية، وفرصة لتوسيع أثر كرة القدم الإيجابي في المجتمع الأردني.
إن ما توصي به الأبحاث العلمية يمكن تلخيصه في خطوات عملية: التركيز على جودة البرامج الرياضية وقابليتها للشمول، استخدام كرة القدم كأداة للتقريب بين الفئات المختلفة لا لتعميق الفوارق، الاستثمار في تدريب المدربين على غرس القيم الاجتماعية، إشراك الجماهير في العمل التطوعي المجتمعي، وتبني سياسات تقلل من الفوارق الاقتصادية وتوسع فرص المشاركة أمام النساء والشباب في جميع المناطق.
ختامًا، كرة القدم ليست مجرد منافسة على أرض الملعب، بل هي فضاء اجتماعي واسع يمكن أن يسهم في بناء هوية وطنية جامعة، وتعزيز التضامن، وتنمية قدرات الشباب. ومع دخول الأردن مرحلة جديدة من تاريخه الرياضي بالمشاركة في كأس العالم 2026، فإن التحدي الأكبر يكمن في كيفية استثمار هذا الإنجاز ليس فقط في رفع مستوى الرياضة، بل في ترسيخ قيم مجتمعية إيجابية تعكس روح التعاون والوحدة والعدالة. إن إدراك هذه الأبعاد الاجتماعية يمنح كرة القدم في الأردن معنى أبعد من الأهداف والانتصارات، ويجعلها أداة للتغيير الاجتماعي والبناء الوطني.
ghawanmehameen@gmail.com
مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة لمناقشة العدوان على قطر .. تفاصيل
أوقاف مادبا تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف
50 شهيدا في غزة منذ فجر الخميس
أميركا: هجوم قطر لا يحقق أهداف إسرائيل وواشنطن
بلدية برقش ووزارة السياحة يبحثان إنشاء مرافق صحية
بلدية السرو في لواء بني كنانة تنفذ عددًا من المشاريع الخدمية
اليرموك تعلن الدفعة الأولى لطلبة الدراسات العليا .. رابط
فلسطين ردا على نتنياهو: دولتنا قائمة باعتراف العالم
البترا تستضيف عروضاً فلكلورية مكسيكية
مشروع تمليك أراضٍ للمعلمين بخصومات حكومية كبيرة .. رابط
وظائف شاغرة وامتحانات تنافسية .. أسماء
مقتل شاب مصري في ليبيا يثير غضبًا واسعًا
مدير المعهد المروري: هذه المخالفة تستوجب العقوبة القانونية
نتائج فرز طلبات وظائف التعليم التقني BTEC .. رابط
المُحليات الصناعية تُسرّع شيخوخة الدماغ
توضيح بشأن أنباء إلغاء عطلة السبت في المدارس
أسعار الذهب والليرات الذهبية في الأردن الأحد
خبر سار للمكلفين المترتبة عليهم التزامات مالية للضريبة
إرادة النيابية: التصريحات حول تهجير أهل غزة إعلان حرب جديدة
عبير الصغير تدخل عالم الكرتون عبر سبيستون
مدارسنا في العالم العربي بين النظرية والتجريب