الضغوطات اليومية وصحتنا النفسية

mainThumb

13-09-2025 12:19 AM

في عالم تتسارع فيه الإيقاعات بلا هوادة، أصبحت الضغوطات اليومية جزءًا لا ينفصل عن تفاصيل حياتنا. غير أنّ خطورتها لا تكمن في وجودها فحسب، بل في صمتها المتراكم الذي يتسلل إلى صحتنا النفسية، ليترك آثارًا قد لا ندرك عمقها إلا بعد فوات الأوان.
تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ التعرض المستمر للتوتر المزمن لا يقتصر على إضعاف الحالة النفسية فحسب، بل ينعكس أيضًا على الجسد بصورة مباشرة، مسببًا اضطرابات النوم، ضعف التركيز، القلق، وربما الاكتئاب. أما جسديًا، فيُترجم الضغط النفسي إلى ارتفاع ضغط الدم، مشكلات في القلب، واضطرابات في الجهاز الهضمي، مما يجعلنا أمام سلسلة متشابكة من الانعكاسات.
وتتنوع مصادر هذه الضغوط بين ضغوط اقتصادية ومعيشية ترهق العائلات، وتحديات العمل والدراسة التي تفرض سباقًا دائمًا نحو الإنجاز، إضافة إلى التغيرات الاجتماعية التي تُلقي بثقلها على الأفراد، وصولًا إلى التكنولوجيا الحديثة التي وإن قرّبت المسافات، إلا أنها خلقت عزلة نفسية وإرهاقًا ذهنيًا مستمرًا.
غير أنّ المعضلة الأكبر تكمن في التطبيع مع الضغط النفسي، باعتباره أمرًا عاديًا أو جزءًا من "قوة التحمل". وهذا ما يجعل كثيرين يغفلون عن أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل إنهما وجهان لعملة واحدة. فالفرد المثقل نفسيًا يضعف عطاؤه المهني والاجتماعي، وتتآكل علاقاته الإنسانية تدريجيًا.
إنّ مواجهة هذا العبء الصامت لا تتطلب حلولًا خارقة، بل وعيًا متجددًا واستراتيجيات واقعية، مثل ممارسة تقنيات الاسترخاء، إعادة تنظيم الأولويات، منح الوقت للهوايات والراحة، والأهم من ذلك كسر حاجز الخجل في طلب الدعم النفسي المتخصص.
إنّ الضغوطات ليست عدوًا في حد ذاتها، لكنها تصبح مدمرة حين نتركها بلا إدارة. لذلك، فإن إدراكنا لخطورتها والتعامل معها بوعي ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية للحفاظ على توازننا الإنساني في مواجهة عالم لا يتوقف عن الركض.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد