إسرائيل : هذه استراتيجياتنا اتجاهكم يا عرب

mainThumb

16-09-2025 11:34 AM

في المناظرة الشهيرة بين جرير والفرزدق قال الفرزدق مفتخراً: «أولئك آبائي فجئني بمثلهم… إذا جمعتنا يا جرير المجامع»، فجعل البيت مثلاً في التحدي وإظهار العجز عن مجاراة الخصم. واليوم تستحضر إسرائيل هذا المعنى بصورة أخرى، فتقول للعرب بلسان حالها: هذه هي استراتيجياتنا ضدكم، فأرونا قوتكم إذا جمعتكم المجامع. لكنها تعلم أن العرب غارقون في التفرقة، بعيدون عن الاجتماع، منشغلون بخلافاتهم البينية، لا يملكون رؤية موحدة ولا استراتيجية مواجهة.
منذ نشأتها وضعت إسرائيل هدفاً ثابتاً: أن تبقى قوية مسيطرة، وأن يظل العرب ضعفاء متشرذمين. ولذلك عملت على تمزيق المنطقة إلى دويلات وكيانات متناحرة، تغذيها النزاعات الداخلية والخارجية. وما يحدث في سوريا ولبنان والعراق والسودان شاهد حي على هذا المشروع، حيث تُذكى الفتن الطائفية والقومية بين الدروز والعلويين والسنة والشيعة، لتظل هذه الدول في دوامة من الصراع المستنزف.
وبالتوازي مع ذلك، تحرص إسرائيل على إحباط أي محاولة عربية للاتحاد، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، وتستخدم في ذلك دهاءها السياسي عبر معاهدات مثل كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن، ومفاوضات مع سوريا ولبنان، وهي اتفاقيات لا تلتزم بها، بل توظفها لاختراق الصف العربي وتشتيته. كما تسعى لاختراق دول الخليج عبر التطبيع وربطها بشراكات اقتصادية وتعاون مزعوم يخدم مصالحها لا مصالح العرب.
وفي المجال الاقتصادي، تستهدف إسرائيل أي قوة عربية محتملة عبر تفتيت المشاريع التنموية وتعطيلها بواسطة حلفائها في أمريكا وأوروبا، بما يمنع تشكل قوة اقتصادية عربية قادرة على فرض حضورها. أما في المجال العسكري، فإنها تعمل على منع العرب من امتلاك السلاح النوعي، وخاصة النووي، بينما تراكم هي ترسانة هائلة من الأسلحة المتطورة، تاركة للعرب أسلحة خردة لا تُستخدم إلا بإذنها وإذن واشنطن.
كما تسعى إسرائيل إلى تصوير إيران وتركيا كعدوين أول للعرب، لإبعاد البوصلة عن القضية الفلسطينية، وتكريس الشروخ بين الشعوب وقادتها حتى لا يتفرغوا لمواجهتها. وفي الوقت ذاته، تشن حرباً ثقافية ناعمة تستهدف الهوية والدين والتاريخ، فتُميع وعي الأجيال العربية لتنسى جوهر الصراع وحقيقته.
وبعد أن راكمت فائض قوة، وجدت إسرائيل نفسها حرة في التهديد وضرب لبنان وسوريا والعراق واليمن، ,واخيرا قطر، من دون أي رادع عربي. وهي تمضي في التحول إلى "أمريكا الصغرى" في المنطقة، تمثل مشروع الغرب وتنفذ مصالحه، كونها ربيبته المزروعة في قلب العالم العربي.
وفي ظل هذا المشهد، يتساءل الشارع العربي بمرارة: ماذا أعد العرب لمواجهة هذه الاستراتيجيات؟ هل استثمروا في بناء قوتهم العسكرية وتعبئة شعوبهم للدفاع عن وجودهم؟ أم أنهم ما زالوا يلهثون وراء الوعود الأمريكية والإسرائيلية التي لا تجلب إلا الخديعة؟ إلى متى سيبقون أسرى للقمم الفارغة التي لا تخرج إلا ببيانات مخزية تزيدهم ضعفاً وانقساماً؟ وإلى متى سيبقى الذل والتخاذل والعمالة والتواطؤ سمة أنظمتهم؟
لقد ملّت الشعوب العربية وسئمت من أنظمة منبطحة عاجزة عن مواجهة المشروع الإسرائيلي فهل يملك العرب من القوة ما يردون به على هذا التحدي؟ أم أن انقسامهم سيبقى شاهداً على عجزهم حتى يكتب التاريخ أن أمة بكاملها تركت مصيرها يُصاغ بيد عدوها؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد