تراجع الاهتمام بالمنصات الرقمية: البحث عن العمق

mainThumb

21-09-2025 10:09 AM

في السنوات الأولى لانتشار العالم الرقمي، بُشّرت منصات التواصل الاجتماعي كأدوات ثورية تجمع بين البشر وتفتح آفاقًا غير مسبوقة للتواصل والتفاعل. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، بدأ عدد متزايد من المستخدمين ينظرون إلى هذه المنصات بعيون ناقدة، ليس بسبب التكنولوجيا ذاتها، بل بسبب الطريقة التي يستغلها بعض الأفراد لعرض حياة سطحية أو مثالية بشكل مبالغ فيه.

أصبح من المألوف أن يقوم البعض بانتقاء لحظات معينة من يومهم وتقديمها بشكل منمق عبر إنستغرام أو تيك توك، أو صياغة منشورات مصقولة بعناية على لينكدإن لإظهار نجاحات لا تخلو من المبالغة. هذه الممارسات، رغم جاذبيتها البصرية، خلقت شعورًا بالاغتراب لدى آخرين يرون أن هذا المحتوى يفتقر إلى الصدق ويعكس صورة غير متوازنة عن الواقع.

وللتعامل مع هذه الظاهرة، اتجه بعض المستخدمين إلى حلول عملية مثل تقييد ظهور منشورات محددة، أو استخدام أدوات الحظر المؤقت، أو حتى تقليص دائرة المتابعين. الهدف لم يكن الانعزال، بل البحث عن تجربة رقمية أكثر نقاءً، حيث يسود التفاعل الصادق والمحتوى ذو القيمة.

هذه التحولات تكشف عن وعي متنامٍ بأهمية إدارة الوقت والانتباه في الفضاء الافتراضي. فالمستخدم اليوم لم يعد يكتفي بمتابعة الكم الهائل من المنشورات المتدفقة، بل يسعى إلى انتقاء ما يتماشى مع اهتماماته ويعزز من تطوره الشخصي أو المهني. وهنا يظهر التحول من الاستهلاك العشوائي للمحتوى نحو انتقاء نوعي يضع الجودة في المقدمة.

كما أن هذه الظاهرة تعكس الحاجة الإنسانية العميقة إلى التواصل الحقيقي. فبين صور الطعام، ورحلات السفر، ومقاطع الفيديو القصيرة المبهجة، يبحث كثيرون عن قصص صادقة، وتجارب أصيلة، ومناقشات تحمل معنى. ومع زيادة الاعتماد على الخوارزميات التي تحدد ما نراه، يشعر المستخدمون بضرورة استعادة زمام المبادرة وتنظيم تجربتهم الرقمية وفقًا لقيمهم الخاصة.

من جهة أخرى، أصبح هناك إدراك متزايد بأن الحياة الرقمية ليست بديلاً عن الواقع، بل مرآة مشوهة أحيانًا له. فالتعرض المستمر لصور مثالية يمكن أن يولّد ضغطًا نفسيًا غير مرغوب فيه، مما يدفع البعض إلى إعادة النظر في طريقة استخدامهم للمنصات، والسعي لبناء توازن بين الترفيه، التعلم، والتواصل الحقيقي.

بشکل موجز، تراجع الاهتمام ببعض جوانب منصات التواصل الاجتماعي، يعكس انتقالًا تدريجيًا من الانبهار الأولي إلى وعي نقدي أعمق. إن المستخدم المعاصر لم يعد أسيرًا للتدفقات السطحية، بل بات يطالب بمحتوى أكثر صدقًا وقيمة. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستستجيب هذه المنصات لتطلعات المستخدمين نحو الأصالة والمعنى، أم ستبقى رهينة للصورة اللامعة والسطحيات؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد