قرارات مجلس الوزراء التشريعية

mainThumb

21-09-2025 12:24 PM

قرارات مجلس الوزراء التشريعية بين نفاذ نظام التنظيم الجيد وغموض الشفافية: دعوة لإيضاح أمام الرأي العام

مع دخول نظام التنظيم الجيد وتقييم الأثر للتشريعات والسياسات رقم (16) لسنة 2025 حيز النفاذ اعتبارًا من الثاني من أيلول الحالي، أصبح يتوجب قانونًا على الجهات الحكومية إجراء دراسة تقييم الأثر المسبق الأساسي أو المعمق – حسب طبيعة الحالة – لأي تشريع أو سياسة جديدة أو معدلة قبل رفعها إلى مجلس الوزراء، بهدف ضمان أن تكون التشريعات (القوانين والأنظمة) والسياسات مبنية على فهم عميق حول مدى تأثيراتها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبالتالي تعزيز جودة التشريع أو السياسة بما يصب في مصلحة الوطن والمواطن.

وعلى الرغم من أن أحكام النظام واضحة، إلا أن القرارات التشريعية الصادرة عن مجلس الوزراء في الثامن والرابع عشر من أيلول الحالي، اكتنفها الكثير من الغموض من حيث عدم بيان أثر نظام التنظيم الجيد وتقييم الأثر وسريانه عليها.

في الثامن من أيلول، شملت قرارات مجلس الوزراء إقرار مشروع قانون معدل لقانون الكاتب العدل لسنة 2025، ومشروع قانون معدل لقانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2025، وإقرار نظام التنظيم الإداري لهيئة الخدمة والإدارة العامة لسنة 2025، والموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع نظام معدل لنظام بدل خدمات المرور على الطرق لسنة 2025، بالإضافة إلى إقرار نظام معدل لنظام جمعية أدلاء السياح لسنة 2025.

وفي الرابع عشر من أيلول، أصدر مجلس الوزراء قرارات أخرى مهمة، تضمنت إقرار مشروع قانون معدل لقانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية لسنة 2025، والموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع نظام آليات وإجراءات عمل الوحدة المختصة بحماية البيانات الشخصية لسنة 2025، والموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع نظام معدل لنظام التنظيم الإداري لوزارة الصناعة والتجارة والتموين لسنة 2025، بالإضافة إلى نظام معدل لنظام التنظيم الإداري لصندوق الحج لسنة 2025.

كما تضمنت القرارات أيضًا موافقة المجلس على الأسباب الموجبة لمشروع نظام معدل لنظام تأجير الوحدات الزراعية والأراضي الأخرى في وادي الأردن لسنة 2025، وعلى اتفاقية تمويل مشاريع في قطاع المياه والصرف الصحي في المناطق المستضيفة للاجئين السوريين بمنطقة الأزرق.

ومن خلال استقراء نص المادة (4) من النظام، يتضح أنها ألزمت الجهات الحكومية (الدائرة) إجراء دراسة تقييم الأثر المسبق الأساسي قبل رفع أي تشريع أو سياسة جديدة أو معدلة إلى المجلس (مجلس الوزراء)، فيما ألزمت ذات الجهات بإجراء دراسة تقييم الأثر المعمق ضمن ضوابط حددتها المادة نفسها.

وفي ضوء ما تقدم، يتضح أن هذه المادة من النظام غابت عن قرارات مجلس الوزراء، الذي لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى تأثيرها على القرارات المذكورة، وهو ما يثير تساؤلات قانونية حول سلامة وشفافية العملية التشريعية وتطبيق قواعد الحكومة الواردة في النظام، ويثير شكوكًا حول شرعية هذه القرارات الصادرة عن المجلس، لاسيما وأن النظام لم يورد أي استثناءات أو يضع أي مهل انتقالية تطبق على التشريعات أو السياسات المرفوعة إلى المجلس بعد تاريخ نفاذه.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القانون المعدل لقانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية مستثنى من تطبيق أحكام النظام سندًا لأحكام المادة (12)، كون هذا القانون من القوانين العسكرية، وهو أمر واضح لا يثار بشأنه أي جدل أو إشكال. إلا أن هذه الشكوك تثار بالمقابل حول "اتفاقية تمويل مشاريع في قطاع المياه والصرف الصحي في المناطق المستضيفة للاجئين السوريين بمنطقة الأزرق"، لأن القرار الصادر عن مجلس الوزراء لم يبين فيما إذا كانت هذه الاتفاقية دولية أم محلية، حيث يشمل الاستثناء الاتفاقيات الدولية فقط، لا المحلية.

وبرأيي، إن قرارات مجلس الوزراء التشريعية الصادرة خلال الأيام الماضية، دون بيان واضح حول مدى خضوعها لأحكام نظام التنظيم الجيد وتقييم الأثر، الذي دخل حيز التنفيذ، تثير اللبس والجدل لدى الرأي العام، وتضعف من مصداقيتها. وكان يتوجب عليه أن يوضح بشكل صريح ما إذا كانت هذه التشريعات تخضع لأحكام النظام، أم أنها مستثناة بموجب نصوصه، أو لأي أسباب أو مبررات أخرى، وذلك لضمان وضوح الموقف القانوني والتنظيمي بشأنها، وتعزيز الشفافية حولها.

وفي سياق ما تقدم، أطرح تساؤلات قانونية مشروعة: هل خالف مجلس الوزراء في قراراته التشريعية الأخيرة أحكام نظام التنظيم الجيد؟ وهل تم الالتزام فعلاً بإجراء دراسات تقييم الأثر المطلوبة وفقًا لمتطلبات النظام، أم تم تجاوزها لأسباب ومبررات قانونية أخرى لا نملك الحق في الحكم عليها لأننا لا نزال نجهلها حتى الآن لعدم الإفصاح عنها أو إعلانها أمام الرأي العام؟

أعتقد أن هذه التساؤلات تستحق الوقوف عندها قانونيًا وتنظيميًا، لا بهدف توجيه الاتهام، وإنما لضمان وضوح الممارسات الحكومية ومدى انضباطها بمنظومة الإصلاح التشريعي التي جاءت بها الحكومة ذاتها وتبنتها من أجل تطبيقها.

ختامًا، أدعو مجلس الوزراء إلى ضرورة إصدار توضيح رسمي وسريع بشأن آلية التعامل مع التشريعات التي أقرها في القرارات المشار إلى تواريخها أعلاه، مع دخول النظام حيز التنفيذ، وذلك لقطع أي لغط أو غموض حول مشروعية هذه القرارات إن صدرت بشكل سليم ودون أن يشوبها أي مخالفات من جهة، وحتى نتمكن كقانونيين وخبراء ومختصين ومراقبين من ممارسة دورنا الوطني المسؤول المتمثل في تقييم هذه الأسباب والمبررات من الناحية القانونية وإبداء رأينا ووجهة نظرنا حيالها من جهة أخرى، بما يسهم في تعزيز الشفافية أمام الرأي العام، وبيان مدى جدية الحكومة في الالتزام بمبادئ الحوكمة التشريعية والإصلاح المؤسسي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد