التحول في الموقف الدولي تجاه إسرائيل
على مدى أكثر من سبعة عقود، حظيت دولة الاحتلال بدعم دولي واسع، خاصة من الغرب، الذي وفر لها غطاء سياسيا ودبلوماسيا في المحافل الدولية، إلا أنه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قبل سنتين، حدث تغير ملحوظ في موقف العديد من دول العالم تجاه القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أبرز مظاهر هذا التحول التي ظهرت في الآونة الأخيرة، هو انسحاب معظم وفود الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما شرع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إلقاء كلمته، وأصبحت القاعة خالية، إلا من عدد محدود من الوفود والشخصيات اليهودية، التي حضرت بناء على دعوة نتنياهو. ويأتي على رأس مظاهر تحول الموقف الدولي تجاه الاحتلال الإسرائيلي تدفق الاعتراف بدولة فلسطين، وفقا لحل الدولتين، حتى غدت أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة معترفة بفلسطين، من بينها دول لها وزنها وثقلها كبريطانيا.
نستطيع القول إن دولة الاحتلال، دخلت في شبه عزلة دولية، وتغيرت نبرة الأنظمة حيال ما ترتكبه حكومة نتنياهو وجيشها من مجازر وحشية بحق قطاع غزة، والعربدة المتواصلة في الضفة والتوسع الاستيطاني. هذا التحول لم يأت من فراغ، بل له دوافع ظاهرة ومتشابكة، أهمها أن الكيان الإسرائيلي لم يعد يحتكر سردية الصراع، فمع التغطية الهائلة التي تقوم بها وسائل التواصل الاجتماعي للأحداث في غزة، من خلال عرض المقاطع المرئية، التي تبرز حجم معاناة سكان القطاع والقصف الوحشي الجنوني الذي يقوم بها جيش الاحتلال، انكشف زيف الرواية الإسرائيلية التي كانت دول العالم، خاصة الغرب تنقلها لشعوبها، ما كان يعزز لدى هذه الشعوب فكرة مغلوطة عن مظلومية الإسرائيليين المسالمين، الذين يعيشون في بيئة عربية وحشية، فتحولت نظرة الشعوب إلى الممارسات الإسرائيلية من صورة الدفاع عن النفس إلى صورة الجرائم الإنسانية، وأدى هذا بلا شك إلى حراك شعبي واسع مناهض لإسرائيل، مؤيد للحق الفلسطيني، إضافة إلى حراك حقوقي من قبل منظمات دولية باتت تصف الكيان الإسرائيلي بشكل علني بأنه نظام فصل عنصري.
ولا شك أن هذا الحراك أحرج الحكومات الغربية أمام شعوبها، وشكّل ضغطا على هذه الأنظمة، التي تبنت خطاب الدفاع عن حقوق الإنسان، ولم تجد غير سبيل اتخاذ موقف أكثر فاعلية وجدية تجاه الكيان المحتل. ومن هذه الدوافع تزامن الأحداث الساخنة في فلسطين، مع الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أظهر تناقض الغرب وازدواجية معاييره أمام شعوبه، ففي الوقت الذي تغض دول الغرب بصرها عن المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، تدافع عن أوكرانيا، في وجه العدوان الروسي تحت مظلة احترام سيادة وكرامة الدول، وردع الظلم، فوقع الغرب في التناقض وهو يبرر لإسرائيل ما يرفضه من روسيا، فأصبح هذا التناقض مكشوفا للشعوب الغربية، وأثار شعوب أمريكا اللاتينية، التي تتهم الغرب دائما بازدواجية المعايير. ومنها تجاوز إسرائيل للخطوط الحمر الدبلوماسية، من رفض التعاون مع لجنة تقصي الحقائق الأممية، ومهاجمة منظمات الإغاثة مثل، منظمة الأونروا واتهامها بالإرهاب، والهجوم الحاد على المحكمة الجنائية الدولية، وتهديد قضاتها بعد إصدار مذكرة توقيف بحق قيادات إسرائيلية، إضافة إلى استمرار الاحتلال في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي متجاهلا الإدانات الدولية، كل ذلك فُسر على أنه تحد سافر للنظام الدولي والقانون الإنساني، ما أجبر المجتمع الدولي على التحرك.
إزاء تنامي وعي الشعوب حيال القضية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، دخلت الحكومات الغربية في حالة من القلق على الأوضاع الداخلية لديها، بسبب حالة التضامن الشعبي والجماهيري غير المسبوق مع الحق الفلسطيني، الذي تجاوز التنديدات ورفع الشعارات، حيث واجهت هذه الدول أزمات الإضرابات العامة، وتعطيل حركة القطارات ومحطاتها، وتعطيل الموانئ وقطارات الأنفاق، واندلاع مظاهرات عارمة تخللتها اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، فأدركت هذه الدول أن استمرارها في تغطية الكيان الإسرائيلي سوف يأتي على حساب استقرار سلطتها.
إذن، مردّ هذا التحول الدولي إلى ذلك الضغط الهائل للرأي العام العالمي، الذي لم يدفع الحكومات الغربية ـ التي وجدت نفسها بين مطرقة القيم الليبرالية وسندان العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل- وحدها للتدخل، بل جعل المنظمات والهيئات الأممية أيضا تتحرك، فأصدرت الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو وبعض رجاله، وقبلت محكمة العدل الدولية دعاوى تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة، هذا التحول القضائي لم يكن ليحدث، من دون وجود رأي عالمي مناهض لإسرائيل، خاصة مع تجاوز الاحتلال حدود القانون الدولي بشكل لافت، أوقع هذه المنظمات الأممية في حرج بالغ.
لكن من وراء هذه الدوافع، سبب رئيسي هو مَن صَنع دوافع التحول الدولي تجاه إسرائيل، هو ملحمة الصمود الفلسطيني على مدى عامين، هذا الصمود خرق الغطاء الدولي على الانتهاكات الإسرائيلية، إذ كانت هذه الدول تعول على سرعة إنجاز نتنياهو لأهداف الحرب، ولكن مع هذا الصمود الأسطوري وطول أمد الحرب لم يعد بإمكان هذه الدول بسط مظلتها على العربدة الإسرائيلية أكثر من ذلك.
ولكن ماذا بعد هذا التحول في الموقف الدولي تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية؟ هل تكفل هذه التحولات حلا جذريا للقضية الفلسطينية؟
هذا الموقف الدولي على الرغم من أهمية رمزيته السياسية، وكونه نقطة تحول في الوعي الدولي والشرعية السياسية، إلا أنه لن يصبح فعالا ما لم يترجم إلى عقوبات أو ضغوط حقيقية على الكيان الإسرائيلي. لكن الواقع ينطق بأنه لا توجد إجراءات عقابية حقيقية حتى الآن، لا عقوبات اقتصادية، لا تجميد علاقات عسكرية، لا شروط موضوعة على الدعم الأمريكي الأوروبي لإسرائيل بالمال والسلاح، كما أن الولايات المتحدة لا تزال توفر الحماية الكاملة للاحتلال، خاصة عن طريق حق الفيتو، وتهاجم المحكمة الجنائية بدلا من أن تدعم قراراتها. فإذا كانت أغلبية الدول أقرت دولة فلسطينية، فما هذه الإجراءات التي تكفل قيام دولة فلسطينية على مبدأ حل الدولتين؟ لا شيء يذكر.
وقوف المجتمع الدولي عند حد الإقرار بدولة فلسطينية، من دون اتخاذ خطوات عملية وإجراءات عقابية ضاغطة على الكيان الإسرائيلي، جعل البعض يصف هذا الموقف الدولي بأنه ملهاة. لكن في الوقت نفسه يعد هذا التحول فرصة عظيمة لإعادة تدويل القضية الفلسطينية بعيدا عن العزلة.
هذا التحول فرصة وليس ضمانة، فهو لا يعني نهاية التحالفات القديمة بين الغرب وإسرائيل، لكنه بداية توازنات جديدة في الخطابات والمواقف.
هو تحول ذو طابع رمزي ونقطة تحول أخلاقية غير كافية، إلا أنه يمكن البناء عليه واستثماره حتى يقود إلى تغيير تدريجي في السياسات الدولية، وهذا بلا شك يتطلب وحدة الصف الفلسطيني، والدعم العربي الإسلامي للحق الفلسطيني، وهذا بدوره يحتاج إلى تجرد وإرادة حرة، وهو ما لا تملك الكلمات تحقيقه.
كاتبة أردنية
سناب شات يفرض حدودًا جديدة لتخزين الذكريات
ابوزيد : اعلان المقاومة عن موقع اسرى هذه اسبابه
علم فلسطين يتسيد العالم في يوم العلم
العتبة الحسينية تعلن رحيل زوجة المرجع الشيعي الأعلى في العراق
ندوة بمعرض عمان تناقش الهوية والانتماء عبر أدب اليافعين
المعونة الوطنية: إطلاق خدمة المعونات الطارئة إلكترونياً
ندوة بمعرض عمان الدولي للكتاب تناقش أدب الرحلة العربية
شهداء ومصابون برصاص وقصف الاحتلال في غزة
شركات التكنولوجيا تتسابق لبناء أكبر شبكة AI في التاريخ
حياة الفهد تتلقى لفتة خاصة من ولي العهد الكويتي .. صور
الاعتراف بدولة فلسطين: رمزية أم تغيير في قواعد اللعبة
واشنطن تقر دواءً لعلاج التوحد وسط تحذيرات من ترامب للنساء
الذهب يصل إلى أعلى مستوى له بتاريخ الأردن
الأحزاب والمالية تشيدان بخطاب الملك بالأمم المتحدة
خدمات الأعيان تتابع تنفيذ إستراتيجية النقل العام
الزراعة النيابية تؤكد أهمية فتح أسواق خارجية وتعزيز الأمن الغذائي
من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية
دراميات صانعي السلام .. إنقاذ اليهود
عطية يطالب الحكومة بتجميد قرار رفع الرسوم الجامعية في جامعة مؤتة
هل يُعدّ الباراسيتامول خياراً آمناً للنساء الحوامل