مهارات اتخاذ القرار لدى الشباب

mainThumb

04-10-2025 08:52 PM

اتخاذ القرار هو من أكثر المهارات الحيوية التي يحتاج الشباب إلى اكتسابها في مرحلة الانتقال إلى الحياة الجامعية والاستقلالية. فكل قرار يتخذه الشاب، سواء كان متعلقًا باختيار التخصص الأكاديمي، أو تكوين الصداقات، أو التخطيط للمستقبل المهني، يساهم في تشكيل مسار حياته ومسؤوليته تجاه ذاته ومجتمعه. إلا أن عملية اتخاذ القرار ليست سهلة دائمًا، فهي تتطلب الوعي، والتحليل، والقدرة على التمييز بين الخيارات المتاحة.
من أبرز العوامل التي تؤثر في قدرة الشباب على اتخاذ قرارات سليمة هي التطور المعرفي والعاطفي في هذه المرحلة العمرية. فالعقل البشري في مرحلة المراهقة المتأخرة وبداية العشرينات لا يزال في طور النضوج، وخاصة الجزء المسؤول عن التفكير المنطقي والتخطيط والتحكم في الاندفاعات. لذلك، قد يجد الشباب صعوبة في الموازنة بين العاطفة والعقل عند مواجهة المواقف التي تتطلب قرارات مصيرية. ولهذا، يحتاجون إلى بيئة داعمة تساعدهم على التفكير بعمق قبل التصرف.
تُعتبر القدرة على جمع المعلومات وتحليلها من الأسس الجوهرية في اتخاذ القرار. فالشباب الذين يتعلمون كيفية البحث عن الحقائق من مصادر موثوقة، ومقارنة البدائل، وتقييم العواقب المحتملة، يكونون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مبنية على منطق ومعرفة، وليس على العاطفة أو ضغط الأقران. كما أن استخدام أدوات مثل كتابة قائمة بالإيجابيات والسلبيات لكل خيار يساعد على رؤية الصورة بوضوح وتحديد الاتجاه الأنسب.
إضافة إلى ذلك، تلعب القيم الشخصية دورًا محوريًا في عملية اتخاذ القرار. فعندما يكون لدى الشاب منظومة قيم واضحة مثل الأمانة، والمسؤولية، والاستقلالية، فإنه سيكون أكثر ثباتًا أمام الضغوط الخارجية وأكثر اتزانًا في قراراته. لهذا، من المهم أن يتعرف الشباب على أنفسهم، وعلى ما يمثلونه، وما يسعون لتحقيقه في الحياة، لأن وضوح الرؤية الداخلية يسهل اتخاذ القرارات الخارجية.
كما أن الفشل في اتخاذ بعض القرارات لا يعني نهاية الطريق، بل يمثل فرصة للتعلم والنضوج. فكل قرار خاطئ يمكن أن يمنح الشاب خبرة ثمينة حول التفكير النقدي وتقدير النتائج المستقبلية. وتشجيع الشباب على التفكير في التجارب السابقة واستخلاص الدروس منها يعزز لديهم ما يسمى بـ"الذكاء في اتخاذ القرار"، أي القدرة على التعلم من الماضي لبناء مستقبل أكثر وعيًا.
ولا يمكن إغفال دور الحوار مع الآخرين في هذه العملية. فالتحدث مع أشخاص ذوي خبرة، سواء من العائلة أو من الأساتذة أو الزملاء، يفتح أمام الشباب زوايا نظر جديدة ويساعدهم على رؤية الأمور من منظور مختلف. غير أن القرار النهائي يجب أن ينبع من قناعتهم الشخصية، لأن المسؤولية عن نتائجه تعود إليهم في النهاية.
إن تعليم الشباب مهارة اتخاذ القرار ليس مجرد تدريب ذهني، بل هو بناء لشخصية قادرة على التفكير النقدي وتحمل المسؤولية والاختيار الواعي. فالمجتمعات التي تشجع أبناءها على التفكير والتحليل، بدلاً من الانصياع، هي التي تزرع فيهم روح القيادة والابتكار. ومن خلال التدريب والممارسة والدعم المستمر، يمكن للشباب أن يكتسبوا الثقة والقدرة على اتخاذ قرارات متوازنة، تمهد لهم طريق النجاح والنضج في حياتهم الجامعية والمهنية على حد سواء.


ghawanmehameen@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد