هل ينقلب نتنياهو على خطة ترامب بعد تسلم الأسرى

mainThumb

06-10-2025 12:22 AM

لا شك أن بيان رد حركة حماس على خطة ترامب، أظهر الذكاء السياسي وعبقرية التفاوض لدى المقاومة الفلسطينية، حيث استطاعت بهذا الرد المتوازن أن تنجو من الفخ الذي نُصب لها، إذ كان يراد لها ألا يخرج ردها عن استسلام مطلق للخطة يهدر الحق الفلسطيني، أو رفض صريح يمنح نتنياهو فرصة استئناف الحرب بصورة أكثر ضراوة، وتحت غطاء شرعي أمريكي أكثر امتدادا، وكلاهما يحقق طموحات نتنياهو.
لكن إعجابنا بهذا الرد، ينبغي أن لا يحجب عن أبصارنا حقيقة أن خطة ترامب محفوفة بالمخاطر الجمّة، فهي تكاد تكون خالية من ضمانات تجبر نتنياهو على الالتزام ببنود الاتفاق حتى النهاية، وعدم الانقلاب عليه، علما بأن المقاومة تعاملت مع القضية من مبدأ الضرورة، فليس بالإمكان أفضل من ذلك.
ندرك جميعا أن قضية الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، هي أكثر ما يزعج نتنياهو، فهي المسألة الأهم لدى الشعب الإسرائيلي، والمعارضة الإسرائيلية وقيادات الجيش، ولذا تمثل ضغطا شديدا على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا. فعلى فرض نجاح اللقاء المرتقب الذي تستضيفه القاهرة في السادس من أكتوبر، لمناقشة تفاصيل الخطة لبدء تنفيذها، فهل يُتوقع لنتنياهو الانقلاب على خطة ترامب بعد أن يتسلم أسراه بموجب الاتفاق؟ جرت العادة طرح المعطيات ثم التوصل إلى النتيجة، لكنني ها هنا سأخالف وأبدأ بالنتيجة قبل سوق المعطيات، والنتيجة التي تلامس قناعاتي أن نتنياهو على الراجح سينقلب في مرحلة ما على الاتفاق، بعد أن يسترد ما له في غزة، هذه النتيجة مبنية على عدة معطيات: منها: خوف نتنياهو على مستقبله السياسي سيدفعه إلى الانقلاب على الخطة واستئناف الحرب، فبعد أن ينتهي القتال ويعود الأسرى – وهي القضية التي تؤرق الداخل الإسرائيلي- حتما سيجد نتنياهو نفسه أمام المساءلة والمحاسبة، فالخسائر التي لحقت بدولة الاحتلال جراء سياسيات نتنياهو لم تكن هينة. دعك من الخسائر المادية التي يتم تعويضها من قبل الراعي الغربي، ولكن هناك خسائر بشرية جسيمة، وفقا للحساب الإسرائيلية، قتلى وجرحى ومعاقون، إضافة إلى المرضى النفسيين جراء الحرب، وخسائر اجتماعية بهذا التفكك النسبي للحمة الاجتماعية بسبب الحرب وتداعياتها، ما أدى إلى هجرة عدد كبير من الإسرائيليين وفقدان الثقة في المبادئ الصهيونية المؤسسة لدولتهم، والفجوة التي حدثت بين الجماهير والقيادة، كما أن دولة الاحتلال، فقدت كثيرا من تعاطف شعوب العالم وأصبحت شبه معزولة، فمن ثم لا بديل لنتنياهو عن خلق تهديد للشعب الإسرائيلي حتى يجيش من خلفه الداخل، فيتجه إلى الحرب على القطاع، تلك البؤرة التي تسبب الصداع الدائم لدى الإسرائيليين، ولكن هذه المرة يخوض الحرب متخففا من ضغط ورقة الأسرى.

ومن هذه المعطيات: أن استئناف الحرب يمثل رغبة ملحة لليمين الإسرائيلي المتشدد الداعم لنتنياهو، الذي شرع يهدد الأخير بعد رد المقاومة الفلسطينية وإعلان ترامب نجاح خطته، فوزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي نقلت عنه القناة الـ 12 العبرية، أنه أبلغ وكتلة حزب «عوتسما يهوديت»، رئيس الوزراء نتنياهو بشكل واضح، أنه إذا استمر وجود تنظيم حماس بعد إطلاق سراح جميع المحتجزين فلن يكونوا جزءا من الحكومة. كما أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بدوره، انتقد مهاجما قرار نتنياهو بوقف الحرب على غزة والدخول في مفاوضات غير مشروطة بالنار، واصفا إياه بالخطأ الفادح. وقد اعتدنا من نتنياهو أن يسعى لكسب تلك الشخصيات المتطرفة في حكومته لقوة تأثيرها، فبالعودة إلى الوراء إبان صفقة تسليم الأسرى، التي خرقها نتنياهو، ندرك كيف كان ضغط اليمين الإسرائيلي الرافض لوقف الحرب، وكان أبرز الأسباب لاستئناف نتنياهو حربه القذرة على القطاع. ومن أبرز هذه الدوافع التي ستجعل نتنياهو ينقلب على الاتفاق ويستأنف الحرب، أنه يدرك تماما، أنه حتى لو سلمت المقاومة الفلسطينية سلاحها، فإن ذلك لا يعني انتهاء المقاومة في قطاع غزة وسائر فلسطين، لأن المقاومة فكرة تظل باقية ما بقيت أسبابها، فطالما أن هناك احتلالا، لا بد أن تنشأ المقاومة، والشعب الذي يقاوم الآن بالسلاح والصواريخ، هو نفسه الذي كان يقاوم من قبل بالحجارة، لذلك سيعمل نتنياهو على استئناف الحرب لتفريغ غزة من أهلها، أو على الأقل فرض سيطرته الكاملة على القطاع من خلال احتلاله وتقسيمه إلى كانتونات منعزلة عن بعضها.
لن يعجز نتنياهو عن إيجاد مبرر للقتال، فربما تذرع بسلاح المقاومة، وإن سلمت المقاومة سلاحها، يمكنه أن يتذرع بوجود خليات سرية للحركة تعمل على تصنيع السلاح، أو يدعي أن هناك شحنات أسلحة يتم تهريبها من دول الجوار إلى داخل القطاع، تستلزم رقابة أمنية صارمة ونشر للقوات الإسرائيلية، وهكذا دواليك.. قالوا قديما: «من أمن العقاب أساء الأدب»، والكيان الإسرائيلي أمن العقاب، وضرب بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط، وكل الخطوات التي تتخذها دول العالم لردع الكيان ليس فيها إجراء واحد يقوم بمهمة الردع.
انظر مثلا إلى أسطول الصمود، الذي كنا نحار في السيناريوهات المحتملة لمواجهة الكيان لتلك السفن، ربما كان أضعف هذه السيناريوهات هو اللجوء إلى القوة، نظرا لهذا الزخم الهائل من التأييد العالمي للأسطول، والمواقف الرسمية والشعبية التي بدت حازمة بشأن احتمالية تعرض الاحتلال للسفن المتجهة إلى غزة، فما الذي حدث؟ اقتحمت قوات الاحتلال السفن واحتجزت عناصرها وتقوم حاليا بترحيلهم، وكأن شيئا لم يكن.
نعم سوف يضع نتنياهو في هذه الحالة شريكه الأمريكي في ورطة وحرج بالغ، وربما لجأ ترامب إلى إجراء عقابي شكلي يتم توقيعه على الاحتلال، لكن في النهاية ستفرض حقيقة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين نفسها على المشهد، فدولة الاحتلال ليست خطا متقدما للمصالح الأمريكية فحسب، بل إن مصالح أمريكا مرتبطة بقوة المنظومة الصهيونية العالمية، التي ليست دولة الاحتلال سوى وعاء وجودي لها، هذه المنظومة لا تعمل على دعم ما يسمى بدولة إسرائيل وحدها، بل على دعم نفوذ ومصالح الدول الراعية لها.
ينبغي على الدول العربية والإسلامية ألا تحبس نفسها في مهمة نقل وجهات النظر في المفاوضات، بل مصلحة هذه الدول نفسها تحتم عليها أن تضغط بقوة لإنجاح الصفقة، وإلزام نتنياهو بها، أقول إنه من مصلحة هذه الدول، لأن استمرار الحرب سوف يكلفها الكثير، وغزة وفلسطين هي خط الدفاع الأول لها، والكيان الإسرائيلي له طموحاته في المنطقة، وأي تخاذل تجاه غزة والقضية الفلسطينية ككل سوف يعرض أمن هذه الدول للخطر. كوْن المقاومة فكرة لا تموت، ربما هو الشيء الأهم الذي تعول عليه حماس في مواجهة احتمالية عودة الحرب، فعناصر المقاومة ليسوا إلا من أبناء غزة، وأسلحتهم يصنعونها بأيديهم، فحتى لو سلمت سلاحها، فسوف تنهض المقاومة من جديد.
كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد