نحو مسار موحد للقوى المدنية السودانية

mainThumb

06-10-2025 12:27 AM

كان مستحيلا تواجدي الأسبوع الماضي بسبب وعكة طارئة وعنيفة لازلت أقاوم تداعياتها ومضاعفاتها، فعذرا قارئي العزيز. في المقال الغائب، كان من المفترض مواصلة التنوير حول النشاط الذي انطلق بداية العام الجاري من مجموعة من منظمات المجتمع المدني السودانية بهدف توفير منصة شاملة للقوى المدنية السودانية تعمل على خلق تقارب بين مساراتها، وإذا أمكن إنشاء مسار موحد​ بقيادة مدنية ​سودانية من أجل وقف الحرب​. وكنت قد ذكرت أن المشاركين في النشاط وضعوا خطة تنفذ عبر عدة مراحل، بدءا من تنظيم مشاورات اسفيرية ولقاءات مباشرة مع أكبر عدد من شبكات المجتمع المدني، وفي المرحلة الثانية تم عقد سلسلة من المشاورات واللقاءات التحضيرية، توجت، في المرحلة الثالثة، بعقد اجتماع موسع في نيروبي في الفترة 13-15 سبتمبر/أيلول المنصرم، شارك فيه ممثلون عن:
ـ شبكات نسائية تعمل في مجال المناصرة والتوثيق ودعم الناجيات.
ـ شبكات شبابية وطلابية في لجان المقاومة وغرف الطوارئ والمبادرات القاعدية. *نقابات وروابط مهنية من عدد من القطاعات.
ـ شبكات الدفاع عن حقوق الإنسان وتقديم الدعم القانوني وتوثيق الانتهاكات.
ـ مبادرات محلية للسلام والوساطات المجتمعية والاستجابة الإنسانية وحماية النازحين.
ـ صحافيون وفنانون وشخصيات ثقافية تسعى لإيصال صوت المدنيين عبر الإعلام والإبداع.
ـ شبكات سودانية في المهجر توفر الموارد وتجلب المناصرة الدولية.
ـ شخصيات مدنية مستقلة وأصحاب خبرة طويلة في العمل المجتمعي. وهذا الطيف الواسع من المشاركين جاء ليؤكد أن مسارات التقارب ليست حكرا للأحزاب أو الجماعات المسلحة، بل فضاء محم للمدنيين الملتزمين بالسلام واللاعنف والاستقلالية.
بعد ذلك، انتقلت المناقشات من مرحلة بناء الثقة ورسم الخريطة الأولية إلى مرحلة أعمق من التنسيق العملي وتحدي الأولويات وتصميم آليات قادرة على تعزيز دور المدنيين في رسم مستقبل السودان رغم الحرب المدمرة. وفي البدء، توافق المشاركون على مجموعة من المبادئ والقواعد الأساسية والضوابط كأساس تستند إليه العملية كلها، وضمانة لنزاهتها ومصداقيتها داخلياً وخارجياً، ومن أهمها: 1 ـ القرار والتوجيه بيد المدنيين السودانيين وحدهم، والدعم الخارجي يقتصر على الجانب الفني واللوجستي. 2 ـ لا مكان لأي جماعة مسلحة أو كيان سياسي عسكري داخل العملية. 3 ـ تنوع وتعدد القطاعات والمناطق والرؤى يُعتبر مصدر قوة، دون فرض وحدة مصطنعة. 4 ـ اللاتحزّب، وإذا كان لبعض الأفراد إنتماءات حزبية، فإن مشاركتهم تكون بصفتهم المدنية فقط. 5 ـ التدرج والواقعية، تتقدم العملية خطوة بخطوة بأهداف قابلة للتحقيق بعيداً عن الوعود المبالغ فيها. 6 ـ الشمول والتوازن وضمان تمثيل النساء والشباب وذوي الإعاقة والمناطق المهمشة بصورة جوهرية لا شكلية. 7 ـالثقة والشفافية، والنقاشات تُدار بحسن نية ووضوح في القرارات مع احترام الخلافات.

8 ـ حماية المعلومات الحساسة وعدم تعريض أي مشارك لخطر أمني أو خلافه. ويمكن القول بأن اجتماع نيروبي حقق عددا من النتائج الرئيسية، منها: *تحليل مشترك للمشهد المدني، والانتقال من رسم خريطة عامة إلى فهم أدق لطبيعة المبادرات وأنماطها، حيث تم استعراض تنوعها ورصد عناصر القوة مثل صمود المبادرات القاعدية، وقيادة النساء والشباب، ودور الموارد والدعم من المهجر، ونقاط قوتها والفجوات التي ينبغي معالجتها مع الاعتراف في الوقت نفسه باستمرار التحديات المتمثلة في انعدام الثقة، وتشرذم الجهود، وضعف التنسيق، وقلة بروز الفاعلين المحليين. ـ الاتفاق على أجندة مشتركة تمثل الحد الأدنى من الأولويات الأساسية التي يمكن لجميع الفاعلين المدنيين الالتفاف حولها رغم اختلاف الرؤى السياسية الأوسع، وتشمل: وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، ضمان وصول الدعم الإنساني ودعم المستجيبين المحليين الأوائل، التوثيق، المساءلة والمبادرات المبكرة للعدالة الانتقالية، تعزيز جهود المصالحة والسلام المحلي المستندة إلى الممارسات المجتمعية مثل الوساطات، تحسين التنسيق وتبادل المعلومات بين المبادرات المختلفة، تقوية الإعلام لمواجهة الخطاب الداعم للحرب. *تطوير آليات للتنسيق مرنة وعملية تربط بين مجموعات العمل وتتيح تبادل المعلومات والإعداد المشترك لحملات المناصرة والأنشطة الدولية، مثلا خلية لمتابعة المستجدات وتقديم إحاطات وتحليلات دورية، مركز للإعلام والاتصال لتوحيد الرسائل وإدارة الحملات لمواجهة التضليل، رسم خريطة وتحديث سجل المبادرات المدنية بشكل مستمر، وضع معايير واضحة لضمان مشاركة النساء والشباب وذوي الإعاقة والمناطق المهمشة في صلب العملية. *خطط عملية مرتبطة بجداول زمنية: مخرجات عاجلة يتبعها عمل متوسط المدى يشمل صياغة مسودة أولية للأجندة المشتركة، وإعداد أوراق سياسات للمناصرة، وإطلاق حملات مناصرة موضوعية، وتنفيذ مبادرات تجريبية للعدالة الانتقالية. ـ الالتزام بالمساءلة ومتابعة التوصيات عبر ربط كل خطوة بدور محدد وجدول زمني واضح، مع ضمان الشفافية في التعامل مع القوى السياسية والجهات المانحة. وكذلك حماية المشاركين من المخاطر الأمنية
أيضا، أجمع المشاركون على أن مسارات التقارب ليست جسماً سياسياً جديداً بل هي سلسلة عمليات متدرجة، تهدف لحماية الحيز المدني وضمان أن يكون للفاعلين المحليين والنساء والشباب والمهجر منصة موثوقة للتعبير والتأثير. لذلك، لم يتم الإعلان عن أي كيان جامع جديد، بل جرى التركيز على تطوير آليات تربط المبادرات بدلاً من دمجها أو استبدالها، وعلى إنتاج مخرجات ملموسة مثل تقارير ميدانية وأوراق مناصرة وحملات إعلامية، بدلاً من الاكتفاء بالبيانات العامة.
وباختصار، كان الهدف من اجتماع نيروبي، سبتمبر/أيلول 2025، هو ترسيخ مسارات التقارب كعملية حية تعكس واقع المجتمع المدني السوداني، وتضخم صوته في المحافل الدولية، وتنتج أفعالاً عملية تساهم في حماية الناس وبناء السلام حتى في ظل استمرار الحرب. وقد نجح الاجتماع رسم صورة أوضح للمشهد المدني في السودان، والاتفاق على أجندة مشتركة، وتصميم آليات للتنسيق، والالتزام بخطط مرتبطة بأدوار وجداول زمنية محددة. ويمثل ذلك خطوة مهمة نحو ضمان أن تظل أصوات المدنيين السودانيين في قلب الجهود المبذولة لإنهاء الحرب وحماية الناس ووضع أسس السلام والتعافي. وتم الاتفاق على عقد اجتماع موسع جديد في يناير/كانون الثاني 2026 للمراجعة والتقييم والتقويم.

كاتب سوداني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد