ثورة 17 تشرين بعد 6 سنوات

mainThumb

21-10-2025 08:53 PM

6 سنوات انقضت على «ثورة 17 تشرين»، التي أدخلت وعياً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً بشكلٍ غير معهود، وقدمت ثقافة المحاسبة لدى المواطنين، ودخلت سنتها السابعة في أخطر مرحلة حرجة يمر بها لبنان. صحيح أن عهداً جديداً بدأ بتسلم العماد عون الرئاسة ووصول القاضي سلام الشخصية الإصلاحية إلى رئاسة الحكومة، لكن المشهد العام غير مبشر. قوى التسلط الطائفي التي تساكنت لعقودٍ مع السلاح اللاشرعي، أعادت تشكيل نظام المحاصصة لتفرض حالة تراخٍ على المسار العام، ما جعل المواطنين يلمسون آثاراً سلبيةً على الوعد باستعادة الدولة، وبالعدالة والسيادة وحصر السلاح وبدء مرحلة الإصلاح.

بعد 9 أشهر ونيّفٍ على قيام العهد الجديد يطرح السؤال نفسه ما الذي تغير؟ تتتالى الأسئلة عن المصير وعن الخطر على الوجود في زمن يتحضر فيه عدو متغطرس لإعادة رسم الخرائط. كأن لا أثر لزلزال المنطقة على لبنان بدليل الكسل والمراوحة في الأداء الرسمي. بعد نحوٍ من 11 شهراً على الاتفاق المشين مع إسرائيل لوقف النار الذي صار ملزماً للبلد لم يتم تنفيذه. والوعد الرئاسي بأن العام الحالي عام الانتهاء من حصر السلاح بيد الدولة لا يبدو قابلاً للتحقق، رغم أنه ضرورة وطنية لملاقاة المجتمع الدولي الذي يُعول عليه للنهوض بعد الانكسار المريع للبنان، الناجم عن حرب «الإسناد»، عندما استدرج السلاح اللاشرعي الاحتلال مجدداً فراح يستبيح وتتسع جرائمه بعدما هجّر عشرات ألوف العائلات ومسح عشرات البلدات من الخريطة، متذرعاً في أحيانٍ كثيرة بخطاب مقاومة صوتية لـ«حزب الله».

وتوازياً بعد أشهر طويلة على وعود خطاب القسم والبيان الوزاري، لا تُبرز السياسات المعتمدة أداءً يعطي الأولوية لمعالجة الانهيار المالي الكبير وتداعياته اقتصادياً واجتماعياً، باعتماد المحاسبة على قاعدة تدقيق جنائي يُعيد المنهوب. يعلن سياسي بارز: «خلص كفى تدفيع المودعين وزر المنهبة»، متجاهلاً حقوقهم الثابتة، يقابله مطالبة رئيس جمعية التجار بوضع حدٍّ لتدخل صندوق النقد (...) لأن أصداء انتقاداته الواسعة لأدوار الحكومة والبرلمان ومصرف لبنان بلغت بيروت، محذراً من محاولات قوننة منع إقفال المصارف المفلسة، ومشترطاً شطب رساميل المساهمين في المصارف كمدخلٍ لإعادة هيكلتها ورافضاً دخول أي مصرفي إلى الغرفتين المتعلقتين بالهيئات المصرفية. والأنكى أنه بعد 6 سنوات على الانهيار لم يعد جائزاً الحديث عن عدالة معلقة، فها هم يطلقون رياض سلامة الملاحق دولياً والمدعى عليه من هيئة القضايا بوزارة العدل بجرائم تبييض أموال وتزوير ونهب للمال العام، وعلى المنوال نفسه يتم الإفراج عن متهمين مسؤولين عن مغارة كازينو لبنان وترويج لا قانوني لألعاب الميسر وحرمان الخزينة من حقوقها. ولتاريخه ما من متهم عن منهبة العصر وإذلال شعبٍ وإفقار متعمد للبلد... والخطير أن الأداء العام يهدد بمنع قيام جمهورية اللبنانيين، وتقديم المرتكبين إلى العدالة، وهم أفسدوا ونهبوا وشركاء «حزب الله» في ارتهان البلد!

في بداية السنة السابعة على انطلاقة الثورة تردد أبواق، ماذا فعلت الثورة وماذا أنتجت وأين البديل الذي قدمته! بالتأكيد لم تبلور بعد البديل، لكنها عرّت الفاسدين وأكدت في التصويت العقابي في الانتخابات الماضية أنه بوسع المجتمع الزود عن مصالحه واستعادة حقوقه، لكن السؤال الحقيقي مطروح على كل الطبقة السياسية، ماذا قدمت منذ 30 سنة من الاستبداد والسلبطة والجبروت على الناس؟

لقد صار أكيداً أنه متعذر تحقيق أي مطلب مع بقاء منظومة الفساد، ولا بديل لاستعادة الدولة ونهوض البلد من إسقاط المصالح الطائفية والمذهبية وما يمت بصلة إلى سلطة نظام المحاصصة الطائفي والعودة بالبلد فعلياً إلى حكم الدستور والقانون، بحيث يستحيل إذاك حجب التقارير الأمنية عن رئيس الحكومة كما أُشيع! واليوم قبل نحو 7 أشهر من موعد الانتخابات لا بديل عن تحمل النخب المبعدة وقوى التغيير الجدية، وهم قوى الاستقلال والسيادة والإصلاح، مسؤولية بلورة أدواتٍ كفاحية توفر معطيات تجديد «المناخ التشريني» الكامن المؤهل وحده لكسر الاصطفافات والحواجز المناطقية والطائفية والتابوهات. تحت عنواني السيادة والمحاسبة، ما زال ممكناً بلورة الجديد القادر على ابتداع شبكة أمان وطنية أفقية، تجمع فعاليات وحيثيات مدنية وريفية، تعكس تركيبتها «المناخ التشريني» لتكون البديل المؤهل لمواجهة القوى الطائفية والمذهبية، التي التقت طيلة 6 سنوات على منع المساءلة وحجب العدالة وتكبيد المواطن العادي أثماناً لا يمكن تحملها!

في مطلع السنة السابعة على «ثورة تشرين»، مفيد استعادة ذلك الشريط يوم كسر الناس بحسهم وشجاعتهم هيبة السياسيين الفاسدين وأخرجوهم بالجملة من الفضاء العام، وأفشلوا محاولات التطويع والإلحاق، ونبذوا التطرف ليثبتوا أنها حركة شعبية لا عنفية نمت على ضفتي «الانقسام الآذاري» الطائفي، وقادرة على إقلاق التحالف المافياوي المسلح بنظامي الحصانات والإفلات من العقاب. إن التغيير هو بديل الواقع الخطير، وهو طريق طويل وشاق والمدخل إليه المغادرة السريعة لمقاعد المتفرجين!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد