عابرة كالحُلم (3)

mainThumb

22-10-2025 11:53 AM

إهداء:
إلى تلك التي أحبت بصمت، لكن القدر ـ كعادته ـ كتب النهاية قبل أن تُكتب الفصول.

السندريلا والساحر – الجزء الثالث

ليلٌ ثقيل كحبر القصيدة…
جلستُ أمام شاشة التلفاز أتابع برنامجًا اسمه «مع الشعراء».
كنتُ أظنّ أنّ الشعر مجرّد كلماتٍ تُقال، حتى ظهر على الشاشة شاعرٌ شاب، في أواخر الثلاثين، يحمل في صوته نبرة وجعٍ لا تُشبه أحدًا.

تقول السندريلا، وهي وهي تُداعب فنجان قهوتها الباردة :

> «لم أعلم لماذا جذبني... ربما لأن شيئًا غامضًا في ملامحه كان يوقظ في داخلي ما ظننته مات منذ زمن. وربما — فقط ربما — لأنّ الفضول أقوى منّا جميعًا.»

ابتسمتُ وقلت ممازحًا:

 «فضول النساء يا عزيزتي هو الوقود الرسمي لنصف كوارث العالم!»



ضحكت بخفّة، ثم أطرقت رأسها وقالت بصوتٍ خافت:

 «ربما... وربما كنتُ أنا تلك الكارثة.»



صمتت لحظة، ثم تابعت كمن يسترجع مشهدًا قديمًا:

 «كنت أتابع البرنامج بشغف، وأحفظ أبيات شعره كما يحفظ التلميذ دروسه الأولى. لا أدري متى تسلّل اسمه إلى قلبي، ولا كيف وصلت إلى رقم هاتفه، لكنني فعلت... اتصلت به دون تفكير.»


توقفت، تنظر نحوي لترى وقع كلامها، ثم قالت:

 «عندما سمعت صوته لأول مرة، لم أشعر بخوفٍ أو خجل، بل براحةٍ غريبة، كأنني وجدت ضالّتي بعد زحام العمر. ربما لأنني كنت خارجة لتوّي من زواجٍ فاشل، أبحث عن دفءٍ يرممني.»


ابتسمتُ بتردد، وقلت:

 «وهل ردّ عليك الشاعر؟»


قالت بثقةٍ ناعمة:

 «بالطبع. فالشعراء لا يُفوتون فرصةً كهذه! رحّب بي كما يرحب المشاهير بكل من يظنون أنهم جمهور أبديّ لحروفهم. ومع الوقت، صرنا نتحدث يوميًا… كان يكتب لي القصائد، وأكتب له الدعاء، وكنتُ أظن أن القدر يصوغ لنا حكاية حبٍّ نقية.»


ثم خفت صوتها فجأة، وكأن ظلًّا عبر المكان:

 «لكنّ الحب يا صديقي لا يعيش طويلًا إذا غاب عنه الله.»


نظرت إليّ بعينٍ فيها وجع السنين وقالت:

 «تقدّم لخطبتي أكثر من مرة، لكن والدي رفضه... ومع الوقت اكتشفتُ أنه لا يُصلّي، ولا يطيق سماع القرآن. كنت أقول له دائمًا: اصبر، ربما يلين قلبك. فكان يبتسم بسخرية ويقول:
لن يوافق والدك، فأنا أعلم ذلك… عندي علم خفي.»


رفعت حاجبيّ دهشةً، فابتسمت بخجلٍ مُرّ، وتابعت:

 «ظننتُه يمزح، لكنه قالها مرارًا حتى صار الأمر مريبًا. سألته يومًا عمّا يقصد، فصمت طويلًا... ثم قال ببرودٍ مريب:
أنا ساحر. بل أحد أمراء الجنّ من الإنس. المردة والشياطين يأتمرون بأمري.»


ارتجفت الكلمات بين شفتيها، كأنها تخشى أن تنطقها ثانية.
قلتُ وأنا أحاول التماسك:

 «هل تصدقين ذلك؟!»


قالت بعينٍ زائغة بين الخوف والحنين:

 «في البداية ضحكتُ، ثم بكيتُ، ثم لم أعد أضحك بعدها أبدًا.»


ساد صمتٌ طويل، قطعه فجأة صوت المؤذن من بعيد:

 «حيّ على الصلاة...»


رفعت رأسها، وقالت بصوتٍ متعجّلٍ كمن يريد الهروب من وجع الكلام:

 «سأكمل لك غدًا يا فايل، لكن أعدني وعدًا ألا تكتب عنّي إلا إذا شاء القدر أن تُروى الحكاية.»


ثم أغلقت الهاتف، وتركتني وحيدًا أمام ليلٍ ثقيلٍ آخر…
أتساءل: أكانت تحكي قصة عن رجلٍ من الجنّ؟ أم عن امرأةٍ سُحرَت باسم الحب؟

وللحكاية بقية

من كتاب «جريمة على شاطئ العشّاق »
للمؤلف : فايل بن سريد المطاعني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد