رواية فرنسية تروي حكاية جزائرية
قبل نصف قرن من الآن، وقعت حادثة غير مسبوقة في فرنسا. فقد صدرت رواية سرعان ما تصدرت اهتمام القراء وكذلك النقاد. بل إنها رواية احتلت قائمة أفضل المبيعات. لم تحمل هذه الرواية اسم كاتب معروف، ولم يكن صاحبها من أسماء الصف الأول، بالتالي فإن نجاحها لا يتعلق باسم صاحبها. لأنها صدرت باسم كاتب مجهول. لم يسبق أن سمع عنه أحد من قبل. وجاءت هذه الرواية بعنوان: «الحياة أمامك». وهو عنوان عادي، ليس من عناوين الإثارة، وليس عنوانًا يبتغي استمالة الناس أو تحريض حواسهم أو مخيلتهم، كما إنه ليس عنوانًا تجاريًا. لأن الفرنسيين لا يقرؤون رواية من عنوانها، بل بناء على فحواها. وفحوى هذه الرواية جاء بلسان طفل في حدود العاشرة من العمر، يروي فيها يومياته في حي (بلفيل) في باريس، وهو حياة يختلط فيه فرنسيون بالمهاجرين والأجانب، تختلط فيه الأعراق والديانات. وواصلت الرواية صعودها إلى أن حازت، في العام نفسه، على جائزة «غونكور»، وهي أرقى الجوائز الأدبية في البلد. ثم تعرف الناس على مؤلفها المدعو: إميل أجار.
فقد حل رجل غير معروف، وقدم نفسه على أنه مؤلف العمل. لعب اللعبة بحرفية، في الرد على أسئلة الصحافة، وكذلك في الرد على ناشر الرواية. وصدق القراء أن إميل أجار شخص من لحم ودم. بل منهم من تنبأ له بمستقبل مشرق، وأنتظر منه رواية ثانية. لكن إميل أجار لم يصدر سوى رواية واحدة ثم اختفى. وعندما انقضت خمس سنوات سطعت الحقيقة. عرف الناس أن الرجل الذي انتحل هوية إميل أجار لم يكن كاتبًا. وأن الكاتب الحقيقي اسمه: رومان غاري، واحد من أشهر الكتاب في فرنسا، والذي عاش مناضلًا، طيارًا وكاتبًا. وهذه الحقيقة لم تظهر سوى بعد انتحار رومان غاري (عام 1980) وخلف وصية يسرد فيها ما غاب عن القراء والنقاد والصحافة. وعرفنا أن من انتحل صفة إميل أجار إنما قريب له، وأن رومان غاري نشر الرواية باسم مستعار، كي يختبر قدرته على الأدب، كي يقرأ الناس العمل في معزل عن اسمه صاحبه الحقيقي، كي لا تؤثر شهرة الكاتب على تلقي الرواية. إذن انقضت خمس سنوات قبل معرفة الحقيقة، ومعرفة من كتب الرواية، ثم انقضت خمسين سنة ولا تزال رواية «الحياة أمامك» من الروايات التي نعود إليها، في كل مرة، بل تكاد أن تصير واحدة من الأعمال الكلاسيكية. والأغرب من ذلك، وعلى الرغم من أنها رواية فرنسية فإنها تطابق الحالة الجزائرية، في الزمن الحاضر، إنها رواية فرنسية يمكن أن تقرأ في الجزائر وكأنها رواية محلية. إنها تصف حالنا أفضل مما يمكن أن نصف أنفسنا.
ملجأ الحكايات
جاءت هذه الرواية على لسان طفل في حدود العاشرة من العمر، ولا نعرف سنه بدقة، لأنه لا يعرف تاريخ ميلاده. يسمى مومو (أو محمد)، لا يعرف والده ولا من أين جاء، أما أمه فانقطعت أخبارها، لأنه ممن يطلق عليهم (مجهولو النسب)، وحتمت الحاجة على أمه أن تسلك طريقا في مقايضة المال بالمتعة، ثم تخلت عنه وصارت تعتني به السيدة روزا، التي سبق لها أن عملت كذلك في أقدم مهنة في التاريخ، قبل أن تتقدم في العمر، ثم حولت بيتها إلى ملجأ يأوي إليه أطفالا تخلت عنهم أمهاتهم. هذا الملجأ الذي يسكنون فيه سوف يتحول إلى ملجأ حكايات. والسيدة روزا هي امرأة يهودية، نجت من معسكر أوشفيتس أيام النازية، ثم حلت في فرنسا، قبل أن تصير أما أخرى لأطفال لا أولياء لهم. كما إن مومو بات أقرب الأطفال إليها، يحكي لها وعنها، وهو سندها عندما بلغت من الكبر عتيا، ولم تعد تستطع صعود الدرج والوصول إلى شقتها – الملجأ إلا بمشقة. بين الطفل والسيدة روزا سوف تنشأ علاقة متينة، أقرب إلى علاقة أمومة، بين صخب السيدة روزا ومشاغبات الطفل مومو تتوالى فصول الرواية.
تدور الوقائع في سبعينيات القرن الماضي، حين يصير مومو شاهدا على ما يدور في فرنسا، وهو عربي من شمال افريقيا، ومن المرجح أن أمه جاءت من الجزائر. لذلك سوف يشعر القارئ بألفة عند مطالعة هذه الرواية. لأنها تتكلم عنه، تقصص حكايات تنسجم مع الحال في البلد. ولا يقتصر الأمر على ثنائية مومو- السيدة روزا، بل إن الطفل يغامر في الخروج إلى الشارع، في ملاقاة شخصيات ثانوية أخرى، في التسكع في أحياء سكنية قريبة، في زيارة محال أو متاجر، في مرافقة كلاب، أو التلصص على أشخاص. وهي مغامرات سوف يستعين بها في سرد معيشة المهاجرين في فرنسا، كما حكى عن صحوة العنصرية، وعن هذا التلاحم بين أديان مختلفة في عاصمة فرنسا، وعن نظرته للغرباء وهو نفسه غريب. هي رواية تصور أعطاب فرنسا في السبعينيات، وهي أعطاب لم تفتأ تتطور في السنين التالية.
من السهل أن نقرأ «الحياة أمامك» كأنها رواية جزائرية، ليس فقط لأن الراوي مومو من أصل عربي، بل لأنها كذلك تحكي عن فرنسا من منظور عربي. تحكي عما يعيشه مهاجر من شمال افريقيا في باريس. وتطرح الرواية أزمات من شأنها أن تعني القارئ في الجزائر، كما أن هذا القارئ يعيش في أزمات تشبهها. يخوض الراوي في شؤون الشقاء وما يعانيه من الفقر والحاجة ومن غياب الوالدين، عن صدامات المجتمع وتعدده، وكذلك عن بائعات هوى، وعن أطفال يجري التخلي عنهم. كما تحكي عن صحوة العنصرية وما يقاسيه المهاجرون. والشيء الآخر المهم أنها تحكي عن السيدة روزا، هذه المرأة اليهودية. ففي الجزائر نسمع عن اليهود ونتكلم عنهم من غير أن نعرف من يكونون، ومن دون أن نبحث في تاريخهم، ولا في الشقاء الذي عاشوا فيه سنين الحرب العالمية الثانية، ولا نعرف شيئا عن معسكر أوشيفتس، ولا عن الذين نجوا منه، لذلك فإن هذه الرواية تتيح للقارئ فهما للحالة اليهودية. من خلال هذه المرأة التي هجرت بلدها واستقرت في باريس، تماما مثل المؤلف رومان غاري، الذي هاجر من ليتوانيا إلى فرنسا. وجدير بالذكر أن هذه الرواية صدرت بالعربية بعنوان مغاير: «بؤساء بلفيل» (عن دار الجمل)، ومن ترجمة صالح الأشمر.
كاتب جزائري
بنك الإسكان يسجل 119 مليون دينار أرباحاً صافية في 9 أشهر
سهل حوران يفوز على شباب الطالبية بدوري الثانية
عبء الدين العام في الاقتصادات العربية
تنظيم أنشطة وبرامج متنوعة في المحافظات
مقولة «وحدة الساحات»: هل آن الأوان لسحبها من التداول
أبو مرزوق وقناة «الغد» .. الاسم «روابي» والطعم بلدي
رواية فرنسية تروي حكاية جزائرية
هندسة الوعي الجمعي وأُطُر التقدُّم
متى نتحرر من عقدة الأكثرية والأقليات في سوريا
من وعي الهوية إلى سيادة الاقتصاد
اتحاد المزارعين يعلن الحد الأعلى لسعر تنكة الزيت
إحالة موظف في أمانة عمان للمدعي العام .. تفاصيل
انخفاض أسعار الذهب في السوق المحلية
الحكومة تعلن عن وظيفة قيادية شاغرة
تذبذب أسعار زيت الزيتون رغم التحديد .. تفاصيل
وظائف شاغرة في الضمان الاجتماعي .. تفاصيل
فتح باب التجنيد في الأمن العام .. تفاصيل
وظائف شاغرة ومدعوون لإجراء المقابلات .. أسماء
هذا ما سيحدث بقطاع السيارات بعد 1-11-2025
بعد وفاته المفاجئة .. من هو نصير العمري
مدعوون للامتحان التنافسي والمقابلات الشخصية .. أسماء
دمج العمل والسفر: نصائح للإنتاجية والاكتشاف
ما هي الألوان التي تناسب بشرتي
