جريمة على شاطئ العشّاق .. الفصل الثامن

mainThumb

30-10-2025 08:23 PM

جريمة على شاطئ العشّاق

الفصل الثامن – منال غازي

ثلاث كلمات غيّرت المصير


في تلك الليلة الثقيلة على القلب، جلست منى تُحاول عبثًا أن تُخفّف من حزن صديقتها هدى، لكن الألم كان قد سكن ملامحها واحتلّ أنفاسها.
قالت هدى بصوتٍ مبحوح، تغلب عليه المرارة:

> "تُصدّقين يا منى؟ تركني قبل موعد العرس بيومٍ واحد فقط! لم يُواجهني، لم يشرح، بل أرسل صديقه يحمل رسالة بثلاث كلمات لا غير: لا يوجد نصيب.
كلمات قليلة... لكنها كانت كافية لتهدّ أركان حياتي."

أطرقت رأسها والدموع تنحدر كأنها تنزف روحها، ثم تابعت بحرقةٍ مكتومة:

> "لم يدرك أن تلك الكلمات سرقت عمري كله. منذ ذلك اليوم، وأنا أعاني... فقدت ثقتي بالرجال، بالحب، بالحياة نفسها. كيف أثق ثانيةً بعد أن خانني من ظننت أنه لا يخون؟ رحل في أجمل ليالي عمري، وتركني أُحترق في الظلام."

صمتت لحظة، قبل أن تقول بصوتٍ متهدّج:

> "الأسوأ أنني ما زلت أحبه! أصابني بالجنون... جُلت الأماكن التي عرفته فيها أبحث عن أثرٍ له، كأنني أُطارد سرابًا. أمي المسكينة انهارت، كدت أفقدها لولا لطف الله. لكن الله لم يتركني... لقد اقتصّ لي منه بطريقته."

رفعت نظرها المبلل بالدموع، وقالت:

> "وجدته جثةً هامدة... تحت كرسيٍّ مهترئ. ذلك الشاب الوسيم الذي كانت العيون تلاحقه إعجابًا، صار جيفةً تتقزّز منها الطيور. كأن الطبيعة نفسها لفظته احتقارًا له، وانتصارًا لكرامتها!"

كانت كلمات هدى كالصاعقة على مسامع منى. شعرت أن القضية بدأت تأخذ منعطفًا آخر تمامًا، وأن وراء هذه المأساة ما هو أعمق من خيانة رجلٍ لامرأة. فعبدالعزيز، ذلك الاسم الذي صار لغزًا، لم يكن ضحية صدفة.

خرجت منى من بيت صديقتها، تاركةً خلفها هدى غارقة في دموعها. حدّثت نفسها وهي تقود السيارة:

> "لقد قلبتُ عليها المواجع، لكن لا بأس... الآن جاء الدور على منال غازي. من هي هذه المرأة التي ظهرت فجأة، وادّعت أن الفيلا ملكها؟"

شدّت على مقود السيارة وقالت بحماسٍ حاد:

> "حان وقت العمل يا منى... المجرم لن يفلت من العدالة، ولو صعد إلى السماء، لصعدتُ خلفه."


---

حين عادت إلى منزلها، وجدت أخاها العميد حمد الشميسي يجلس مع والدتهما خديجة يتبادلان أطراف الحديث. ابتسمت وجلست معهما قائلةً بمزاحٍ لطيف:

> "ما شاء الله! مدير التحريات بنفسه في ضيافتنا؟ يبدو أن هناك قضية عائلية هذه المرة!"

ضحك العميد وهو يقبّل يد والدته قائلًا:

> "وهل أنسى أنني ابن هذه السيدة العظيمة؟ جئت لأطمئن عليها وأتذوّق من يديها طبق المحشي الأسطوري. بالمناسبة يا منى، أين كنتِ؟"

أجابته وهي تحاول إخفاء حزنها بابتسامةٍ متعبة:

> "كنتُ عند صديقتي هدى..."

لاحظت والدتها نبرة الحزن في صوتها، فقالت بقلق:

> "هل حدث مكروه لها أو لوالدتها؟"


بادرت منى سريعًا لتخفيف الموقف:

> "لا، لا شيء، إنهما بخير. فقط... صُدفة غريبة أن فيلا القتيل عبدالعزيز تقع بالقرب من فيلا هدى."

لكن العميد أشار إليها بيده أن تصمت، كي لا تفتح الموضوع أمام والدتهما. ثم التفت ضاحكًا وقال:

> "دعينا من القضايا الآن، أخبريني يا أمي... أين طبق المحشي؟ لقد أتيت من الخوير خصيصًا من أجله!"

ضحكت خديجة وقالت وهي تقوم:

> "ومن أجل عيونك، سيصل فورًا."

ما إن خرجت من الغرفة حتى التفت حمد إلى أخته بنبرةٍ جادة:

> "كأنك تملكين معلومات عن القضية. هاتي ما عندك."

قالت منى وهي ترتّب أفكارها:

> "علمتُ أن الفيلا التي كان يسكنها عبدالعزيز ليست باسمه، بل باسم فتاة تُدعى منال بنت غازي. لا أعرف عنها الكثير، سوى أنها معلمة، ووالدها طبيب معروف يملك مستشفى خاصًا."

ابتسم العميد بخبرة المحقّق وقال:

> "إذن نبدأ من هنا. أريد تقريرًا كاملًا عنها، وعلاقتها بعبدالعزيز. أريد الملف على مكتبي قبل الثانية عشرة ظهرًا، مفهوم يا نقيب منى؟"

ضحكت وقالت:

> "مفهوم سيدي العميد."

قبّل جبينها قائلًا مازحًا:

> "الآن دعينا من العمل، أظن أن رائحة المحشي وصلت إلينا!"

ضحكت منى وهي تنهض معه:

> "كله ولا الوالد! إن لم نسبقه، فلن نجد إلا القدر الفارغ!"

ضحكا معًا، قبل أن ينضمّا إلى المائدة، في لحظةٍ عائلية نادرة تحمل في طيّاتها دفء البيت... وغموض القضايا التي لا تنتهي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد