الإصلاح الدستوري في الأردن

mainThumb

14-03-2011 12:09 AM

إن النصوص الدستورية الأصلية لدستور 1952 تمثل نصوصاً ديمقراطية، وان جميع التعديلات التي تمت تمثل تراجعاً عن الديمقراطية، ليتلاءم و الحكم الشمولي الذي ساد في المنطقة العربية في أواسط القرن الماضي ولتحقيق الأمن والاستقرار للكيان السياسي في مرحلة الحرب العربية ال با رده والتي كان التآمر والاتهامات والاغتيالات والفوضى والعنف أبرز عناوينها. وهكذا أضرت التعديلات الدستورية بالمسيرة الديمقراطية وجعلت من الأرض الموعودة أرضاً يبابا وأصبحت الديمقراطية في الأردن شكلية ومجرد أضواء خادعة ووعود كاذبة، فقد تراجعت المسيرة الديمقراطية، واستمرت الأساليب القديمة في إدارة شؤون الدولة، فانتشر الفساد، وغابت العدالة والمساواة. في كثير من القرارات الرسمية، فأصيب المواطنون بالإحباط والظلم ولاسيما فئات الشباب التي ترفض هذا الواقع وتسعى إلى تغييره بوسائل شتى. وعليه فإن الدعوة إلى إصلاح دستوري يحقق العدالة والحرية والرفاهية والوحدة يجب أن تتصدر قائمة الأهداف والغايات والمقاصد التي يتولى بثها ونشرها المؤمنون بالإصلاح السياسي والديمقراطية وكرامة الإنسان ومستقبل الأمة.

 

إن المتتبع لأعرق الديمقراطيات في العالم وأكثرها استقراراً، يجد أن النظام البرلماني وليس الرئاسي هو الأكثر قوةً وشيوعاً في العالم الحديث، ومعظم الأنظمة الديمقراطية سواء أكانت رئاسية أم برلمانية لديها دساتير مكتوبة تلعب دوراً بارزاً في إرساء قواعد ومؤسسات وممارسات ديمقراطية تتسم بالاستقرار والاستمرارية، فالدستور يحقق للنظام السياسي جملة من المكاسب لعل أهمها :


1.الاستقرار :: فالدستور يضع القواعد العامة لنظام الحكم وعادة ما يشتمل ولا سيما في الأنظمة الديمقراطية على انتخاب القادة السياسيين وفق انتخابات حرة نزيهة، وحماية الحريات السياسية وكافة حقوق المواطنة مما يؤدي إلى الرضى الشعبي وتحقيق الشرعية وبالتالي الاستقرار السياسي.

2.حماية الحقوق الأساسية: فالدستور يشتمل على حقوق الأفراد وحرياتهم المدنية والسياسية وكذلك حقوق الأقلية والأغلبية ويضمن عدم طغيان فئة على الأخرى.

3.الحكم الفعال : بحيث تعمل الحكومة على الاستجابة لرغبات الشعب والتصدي لهمومه ومشاكله ولاسيما الأوقات الصعبة منها.

4. الشفافية : وهذا يعني أن كافة قرارات وسياسات الحكومة شفافة وواضحة ويمكن للعامة الإطلاع عليها ومراقبتها.

5.  المحاسبة : فالدستور يمكن المواطنين من مساءلة ومحاسبة القادة السياسيين على قراراتهم وسياساتهم.

6. الشرعية : عندما تطبق كافة المعايير السابقة فإن الدستور يضفي الشرعية على نظام الحكم ويجعله بمنزلة عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم ويلتزم الطرفان ببنوده وأحكامه.


إن المزايا السابقة التي يوفرها الدستور تجعل منه عنصراً ملائماً Favorable Condition ً    لاستقرار وازدهار الحياة الديمقراطية، ومما لا شك فيه أن احترام نصوص وقواعد الدستور أو ما يسمى بمبدأ سمو الدستور هو مؤشر هام على ديمقراطية وشرعية النظام.

لقد أشار الميثاق الوطني الأردني الصادر عام 1991 إلى ضرورة إجراء تعديلات دستورية ولاسيما أن السياسات التي انتهجتها معظم الحكومات قد أدت إلى وجود أزمة في العلاقة بين مؤسسة الحكم والشعب الأردني ،  وإذا كان الشعب الأردني قد انتظر ما يزيد عن 21 عاماً منذ صدور الميثاق نحو إجراء مثل تلك التعديلات، فإن الوقت قد حان لإجراء مثل هذه التعديلات نحو ميلاد دستوري جديد في البلاد. فليس من الطبيعي ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين أن نظل متمترسين وراء منظومات قانونية وبنى اجتماعية تعود إلى أواسط القرن الماضي، وكان من ثمارها انتشار الفساد والاستبداد والفقر والعوز وغياب العدالة وتوسيع الفجوة بين النظام السياسي والشعب الأردني.



ومن الحق القول انه لا يمكن سحق الماضي، بل لا بد من دراسته واستيعابه وتعلم الدروس والعبر منه، وعليه فإن أمن واستقرار الوطن وقيادة السفينة إلى بر الأمان في بحر متلاطم الأمواج يبقى أولى الأولويات، وأن أي دستور أو عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم يجب ألا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى زعزعة الأمن والاستقرار أو تهميش سلطة الدولة أو الحد من وظيفتها في تحقيق الخير العام للمواطنين والمجتمع وفق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.



وأخيراً، فإن الإصلاح الدستوري في الأردن   يتطلب دائماً إعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات التي تعيق المسيرة الديمقراطية وتحد من الحريات العامة ولعل في مقدمة هذه القوانين والتشريعات قانون الانتخاب، إذ لا بد من تبني قانون انتخاب عصري جديد يعكس واقع المجتمع الأردني، ويفرز نواباً أقوياء قادرين على تمثيل الشعب الأردني تمثيلاً حقيقياً، فيعملون على سن تشريعات تعزز النهج الديمقراطي في البلاد، وكذلك ممارسة صلاحياتهم الدستورية في مراقبة ومحاسبة السلطات التنفيذية. وكذلك لا بد من سن قانون جديد للأحزاب السياسية يؤدي إلى إرساء قواعد التعددية السياسية وتفعيل التجربة الحزبية وإعادة الثقة إلى الأحزاب السياسية التي تعاني من الضعف والشرذمة. ولا بد من إصلاح القضاء وتأكيد استقلاله ونزاهته وأخيراً إعادة النظر في السياسة الإعلامية بحيث تتمتع الصحافة والإعلام بالحرية المسؤولة التي تمكنها من القيام بدورها الوطني المنوط بها. ولا شك فإن مستقبل التجربة الديمقراطية في الأردن يتوقف إلى حد كبير على معالجة هذه القضايا في ظل إصلاح دستوري  يؤكد قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل حياة أفضل وأكثر يسراً وعدالة، نأمل ذلك.



ولا شك أن مثل هذا التوجه سوف يعمل على تم ت ين الجبهة الداخلية في مواجهة المخاطر والأزمات التي تعترض مسيرة الأردن، كما أنه سوف يعزز دور الأردن على الصعيدين الإقليمي والدولي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد