التدخل الروسي في سوريا لضمان بقاء قاعدة طرطوس البحرية

mainThumb

03-10-2015 09:16 PM

 قبل أكثر من مئة عام  ، قالت ملكة روسيا القيصرية  كاترين ، أن الأمن القومي الروسي يبدأ من  دمشق ، وها هو  إمبراطور روسيا الإتحادية صاحب الصولجان  ينفذ هذا القول على الأرض ، بعد أن أسس له قبل نحو العام بالقول  ، أنه لو إنتقل القتال  في موسكو من بيت إلى بيت ، فإنه لن يتخلى عن سوريا.

 

وهذا  يعني منطقيا وبعيدا عن العواطف والإنفعال ،  أن ما قام به  السيد بوتين هو من صميم حرصه على  مصالح بلاده  ، وإيمانه المطلق بما قالته  ملكة روسيا القيصرية سابقا ، كما أنه يدرك تماما  أنه في حال تقاعسه عن  حماية مصالح بلاده في  شرقي المتوسط ، فلن تقوم لروسيا قائمة بعد اليوم.
 
معروف أن أي حضارة أو أمة على مر التاريخ ، ترغب بالخلود طويلا ، كانت  تسعى حثيثا  للوصول إلى  شرقي المتوسط ، وهذا ما فعلته موسكو سابقا عندما تحالفت مع نظام الأسد الأب  ، وهي تعلم علم اليقين أنه  حليف سري لواشنطن ، ، ولكنها تغاضت عن ذلك مقابل  القاعدة البحرية ذلك الهدف الإستراتيجي الكبير ، وقد أكد ذلك  الثعلب الماكر وزير خارجية أمريكا الأسبق "العزيز "هنري كيسنجر ، الذي تمتع بالرقص العربي بعد نجاح مسرحيته سيئة الإخراج  التي نسميها حرب تشرين المجيدة ،  وحول نصرنا المؤزر إلى هزيمة منكرة ، ونقل المحروسة مصر من خندق العروبة إلى خنق واشنطن وتل أبيب  لغباء السادات ،   الذي إرتكب حماقة أخرى عندما أقدم على طرد الخبراء السوفييت  من مصر ، ووصفه كيسنجر وقتها بأنه  أغبى  رئيس قابله في حياته لأنه لو ساوم واشنطن على الضفة وغزة مقابل طرد الخبراء السوفييت لإستجابت واشنطن له ، ولكنه قدم فعلته على طبق من ذهب  ومجانا لموسكو وتل أبيب.
 
قال كيسنجر لا فض فوه  ،  بعد قيام  حلف حفر الباطن بإلحاق الهزيمة بالعراق  ،  بمشاركة قوات عربية تتصدرها   قوات مصرية  وأخرى سورية : لقد كشفت هذه الحرب حلفاء سريين لنا ! وهذا يعني أن كيسنجر كان غير راض عن  إشراك الأسد الأب  في تلك الحرب ، لأن قيمة الأسد ونظامه تكمن في  عدم فضحه وبهذه الطريقة  على أنه عميل لواشنطن.
 
يتكرر سؤال ملح في المجالس والنقاشات حول عدم دعم روسيا لحليفيها   صدام حسين ومعمر القذافي ، في حين   غامر بوتني بحرب عالمية ثالثة  لإنقاذ الأسد بعد أن تبين له أنه على وشك الإنهيار.
 
الجواب على هذا السؤال  سيكون متشعبا ويحتوي على أكثر من جانب من جوانب هذه القصة ، ويقينا أن هذا السؤال مشروع  ومحق ، ولكن الحقيقة  تشي بأن ظروف إسقاط كل من صدام حسين  والقذافي مختلفة كليا عن  ظروف  إنقاذ الأسد .
وبالنسبة  للعراق ، فلا أحد ينكر أن صدام حسين كان حليفا قويا وغنيا  لموسكو السوفييتية ، ولكن  إسقاطه كان بتلك السهولة لأنه لم يكن هناك في موسكو  إمبراطورا مثل بوتين ، بل كانت  روسيا الإتحادية تلملم جراحها  وتتخلص من أتباعها دولة بعد الأخرى ، وعليه فإن حظ الراحل صدام حسين السيء كان بوجود قيادة روسية عميلة مهترئة.
 
أما بالنسبة لإسقاط القذافي فالأمر يبدو وكأنه  لم يكن ليعني شيئا بالنسبة لبوتين ، لأنه لا توجد قاعدة بحرية لروسيا في ليبيا ، وأنا جد مستغرب لماذا لم تقم روسيا  قاعدة بحرية لها في ليبيا، وعليه فإن  إنقاذ الأسد له ما يبرره  روسيّا، ولا ننسى أن التدخل الروسي لا يعني بالضرورة   إنقاذ شخص الأسد ، بل  يعني حتما الحفاظ على النظام الأسدي الذي  سيحكم الكانتون العلوي في محيط اللاذقية على البحر المتوسط والذي يضم القاعدة الروسية البحرية.
 
هناك قضية لا يجب  إغفالها وهي أن التدخل الروسي الأخير مغلفا بتشريع  من الكرملين ، لم يأت بعيد عن الرغبة الأمريكية  وبالتشاور والتنسيق مع حليف النظام الأسدي ،  وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو الذي زار موسك قبيل التدخل الروسي في سوريا ، وسيتكفل التاريخ  بكشف الوثائق والحقائق المخفية  عن حليف الصهيونية  وعضو جماعة فرسان مالطا  في  دمشق  ، التي  خلعوا عنها ثوب عروبتها قسرا ، وأوهموا الرأي العام العربي على الأقل أنهم  مقاومون وممانعون ، وأنا أضحك كثيرا حد القهقهة عندما أسمع هذا التعبير " الخنفشاري " الذي لا معنى له على أرض الواقع.
 
لا شك أن  السيد بوتين يتمتع بكل صفات الأباطرة ، وهذا حق له ، فالرجل   إستخباري ومخابراتي من الطراز الأول وقد شغل منصب رئيس جهاز الكي جي بي السوفييتي ، وأصبح رئيسا لروسيا  الإتحادية وهو صاحب  قبضة حديدية ،  ورأي سديد ، ويتمتع بفهم  كبير للأمور والقضايا ، وعنده إستراتيجية  واضحة  .
 
وهذا بطبيعة الحال يقودنا للمقارنة بينه وبين  الرئيس الأمريكي المحاصر يهوديا في البيت الأبيض ، ذلك الرئيس الذي  يستحق أن يطلق عليه  لقب :ساكن البيت الأبيض الضعيف الذي لا حول له ولاقوة ، والذي يتحكم فيه اليهود الذين  يرغبون ببقاء حليفهم الأسد في سوريا   ، حتى لو إنحسر حكمه في الشريط العلوي ، وكذلك الجمهوريين الذين  يعاندون  أوباما ويقفون له بالمرصاد حتى لا يقوم بخطوة سليمة تحسب لصالحه.
 
العيب ليس على الرئيس بوتين  الذي إنتصر لمصالح بلاده  ، ولكن العيب كل العيب  والشنار كل الشنار والخيبة الكبيرة ، على  من بعث  من جديد ، أبو عبد الله الصغير في الأندلس الذي قالت له أمه عندما خسر حكمه  وكان على اهبة الهوب خائبا  باكيا  :إبك كما تبك النساء  لأنك لم تحافظ على حكمك ولم تصنه ! وهذا هو حال  عضو جماعة  فرسان مالطا  القابع في دمشق  ، الذي  واصل طريقة أبيه في الحكم وعرض سوريا لمن يدفع أكثر ، فكانت النهاية  سلسة من المخازي لا يتحملها ولا يقبل بها حتى إبليس الملعون.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد