مؤسسات النمل‎

mainThumb

10-08-2016 11:32 PM

لم يدر في خلد النملة الصغيرة المنتمية الى قرية النمل، الملقاة في طرف الوادي المعشب، أن أحدا من البشر يمكن أن ‏يتحكم بها وبقريتها، أو يقرر مصيرها ومصير جنسها من النمل في هذه القرية الوادعة والنشيطة، حتى أنها عندما ‏ترى قريتها الصغيرة وترى النمل يعج بالمكان، لا تظن أن عوالم أخرى تعيش في جوارها، وبلغ بها وبأترابها أنهن ‏يرين أن السماء لا تبعد عن رؤوسهن، ولا تتعدى شفاه الوادي الذي يعشن فيه، فهي لم تشاهد الليل في حياتها ولم تر ‏القمر المنير يجوب السماء، ولم تكن بحاجة لترى النجوم المنثورة في سماء الناس، فللناس سماؤهم وللنمل سماؤه.‏
 
‏ وليس عندها من ترف الحياة أن تسامر القمر أو تناجي النجوم، أو يسهرها الحب والهيام، فالشمس تكفيها، مع أنها لم ‏تشاهدها بل لمست حرارتها، واستنارت بنورها، وقبل أن تغيب الشمس، تغيب هي في جحرها لتصبح سرا من أسرار ‏الليل والوادي.‏
 
 
كانت حياة النملة طبيعة مكرورة، تستقبل النهار بالذهاب الى العمل وتبقى مشغولة الى أن يسدل الليل عليها ستاره، ‏كانت تسترق الوقت أحيانا لترى ما يحصل في "المنملة" التي تنتمي اليها، فرأت المتجبرين، والمتكبرين من أبناء ‏جنسها ورأت بعض الصراعات بين أفراد منهم للتسيّد على المنملة، أحبت كثيرا منهم، وكرهت كثيرا، شبهت بعضهم ‏ببعض الحشرات التي تمر بها وهي تعمل، بعضهم كالخنافس وآخرون كالجنادب، وكانت تكره الحرابي و الوزغات ‏والسحالي التي تأكل النمل.‏
 
مر على قريتها الكثير من الحيوانات وآلمها مصير الكثير من النمل الذي سحقته بعض المخلوقات، وحاولت أن تتخيل ‏كيف يمكن أن تكون حياة النمل في جوف طائر، لكنها لم تستطع أن تتصور ذاك المخلوق الذي انهال على قريتها ‏بمعوله، هدمها وخرب بيتوها، لم يأكلها ولم ينتفع بأي شيء مما جمعته، لكنه جرّف التراب، وكسّر الصخور التي ‏كانت تحتمي بها، وتركها في العراء بلا مأوى، مكشوفة الى الشمس والى كل المفترسات، لم يرحم ضعفها، أخذ كل ‏الوادي بمياهه وأشجاره، ما ضره لو ترك لها هذه المساحة الصغيرة لتعيش بها هي ومجموعتها، ضاقت عينُه على ‏مكانها الصغير، مع أنه لا يساوي له شيئا، وقد لا يعود له بعد أن شرد أهله، وينساه الى الأبد، ولكنه جشع البشر ‏وأنانيتهم وحقارتهم.‏
 
المتنفذون من البشر في النظام الرأسمالي، وخاصة في بعض البلاد العربية، يجهدون لهدم مؤسسات يعتاش عليها ‏الكثير من العائلات، لا لشيء الا لزيادة ثرواتهم، أو لإرضاء روح السرقة والاجرام لديهم، أو تنفيذا لرغبات أعداء ‏الأمة، ولا يهمهم مصير الضعفاء ولا الى أين تلقي بهم الحياة، ما دامت أمبرطوريات مالهم قائمة.‏
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد