نظام الإنذار المبكر للتطرف

mainThumb

02-11-2016 01:27 PM

الإدراك المبكر للمشكلة والاعتراف بوجودها قد يكون الخطوة الأولى للحل، هكذا يعتقد كل عاقل وحكيم، وللأمانة فإن القارئ العميق لتفاعل آخر قضيتي رأي عام محلي ( وبالخصوص اغتيال الكاتب ناهض حتر ومن بعده حفلات شواء المناهج المدرسية) يدرك - بكل ألم - عمق الأزمة التي نعيش، ولا ينصح بالاستمرار بنهج "دفن رأس النعامة" أمام ما يجري كتفاعلات وردود أفعال للقضيتين الآنف ذكرهما لأنهما يشفان عن أزمة حقيقية وعميقة في بنيوية المجتمع الثقافية ونمط حياته. 

 

إن حجم القيح والتطرف الذي طفا على السطح قبل وعقب اغتيال حتر (مدفوعا بحملات تحريض إلكترونية مكثفة) لعبت دورا أساسيا في تنفيذ اغتياله بهذه الطريقة الدموية على مدخل قصر العدل الذي يفترض أن يمنحه فرصة الدفاع والتقاضي والاستئناف كحق إنساني كفلته الشرائع في كل الدنيا، ولم تنته المأساة بعد، فتجلت كل أمراض المجتمع وساديته بشكل فاضح عقب الحادثة لتتطور إلى ما يشبه الاصطفاف مع أو ضد الحادثة، وكأن الاغتيال أصبح وجهة نظر ومحور نقاش عام ! 
 
لا يستطيع أي واع أو مثقف إلا الوقوف مطولا أمام هذه القضية والتساؤل: هل نحن مجتمع ذاهب إلى التطرف؟ وهل الذوق العام يستسيغ العنف والتفريغ الحاد للكبت والسخط العام؟ هنا لا بد من الاعتراف الجرئ بالمشكلة على أمل حلها، الإجابة (نعم وبكل ألم وأسف) إن أفكار التشدد والتطرف والدموية باتت تأخذ طريقها إلى قلوب وعقول بعض الفئات من المجتمع العربي، مغذاة ومدعمة بكثير من الفقر والجهل والتهميش وقليل من الوعي و الأمل والتمكين، ومشحونة بعقود الألم من الصراع العربي الإسرائيلي ومعززة بالانفلات والفوضى من حولنا لأحداث ما بعد ثورات الربيع العربي في سوريا والعراق واليمن. 
 
ليتها انتهت عند قضيتنا الأولى وحسب، فقضية التعديلات الأخيرة على المناهج الدراسية أشعلت سخطا عاما يفوق عدد الكلمات والجمل والرسومات التي قامت وزارة التربية والتعليم بتعديلها، حتى بدت القصة وكأن الوزارة شرعت في إعلان الحرب على الثقافة الدينية لمجتمعنا المحافظ ! وانطلقت مسيرات "الشواء" للمناهج الدراسية المعدلة وتحريقها في مشهد يستحضر في النفس حرق مكتبة ابن رشد وابن تيمية في زمن الرفض والغلو والتصلب.
 
لا يمكن وصف التعديلات الأخيرة على المناهج بأنها تعديل ( شمولي أو مضاميني أو جوهري ) بمقدار ما هو تعديل مستعجل وطارئ وسطحي لبعض التفاصيل والشكليات ليس أكثر، ويتمنى كل خبير في المناهج الدراسية لو كان التعديل شاملا وجذريا يتناول جودة المحتوى وطريقة عرضه والرقي بمستواه العام أكثر من قضية " نزع حجاب هنا وحذف آية هناك"، هذا كله مع التحفظ الواقعي والمنطقي للنهج السابق القائم على  زج آيات من الذكر الحكيم في ما يليق وما لا يصح من مواضع كثيرة، ولا يخفى على أحد بأن الدين في المجتمع الشرقي المحافظ هو جزء أساسي في تشكيل الهوية والثقافة الكلية للمجتمع، ولو افترضنا جدلا أنه تم إزالة كل المضامين الدينية من جميع الكتب، ولو أنه تم التوقف عن تدريس كتاب الديانات نفسه فرضا، هل سينتهي الدين؟ هل سيجهل الطلبة حقيقة عقيدتهم؟ بالطبع لا، لأن المصادر الأخرى لتلقي الرسالة الإيمانية أعمق وأقوى من مجرد كتاب ثقافة دينية، فالوالدين والمحيط الاجتماعي والمسجد والتلفاز والإنترنت والكتب والصحافة هي مصادر لا تنضب وفاعلة على مدار الساعة لتشكيل الوعي أو تعميق اللاوعي للإنسان العربي.
 
المطلوب اليوم - أكثر من أي وقت مضى- هو تفعيل نظام إنذار مبكر لرصد التطرف ومؤشرات الإرهاب مدعوما بتحكيم المنهج العقلاني القائم على الدراسة المعمقة والتحليل الدقيق وتفعيل أدوات العلم والمعرفة وتدريسها أكثر من أي محتوى آخر، فما نطالعه كعرب ومسلمين وبشكل يومي من أحداث بمحيطنا يكشف لنا عن بعض أوجه "محتملة وممكنة" للإنسان العربي، أوجه غاية في الفوضى والسادية، إنه الوجه الذي جعل أفرادا (كالمطرب وبطل كرة القدم والطبيب  والمهندس وإمام المسجد) آلة قتل عبثية غافلة عن مقاصد الشريعة وأصولها، بدلا من أن تكون يد خير وبناء وإصلاح للأمة. والله ماوراء القصد .
 
hussein_albanna@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد