ضريبة البقاء على الحياة

mainThumb

29-01-2017 11:55 AM

من اليوم  الذي أُقِرت الموازنة للحكومة الأردنية والسلطتان التشريعية والتنفيذية في حيرة كيف يتم تغطية العجز من جيب المواطن الفقير.  لفتُّ النظر إلى موضوع التهرب الضريبي  بمقال في هذا المواقع الكريم بعنوان (الفاتورة الضريبية) كما أشار كثيرون قبلي وبعدي ولكن أحداً لم يلتفت لهذه الطبقة المتهربة من الضريبة ألا وهي القطاع الخاص أو بعضه. لكن المعنيين تفننوا بالحديث عن كيفية إيجاد الضرائب بأشكالها المختلفة والتي مصدرها المواطن طبعاً  لسد العجز في الموازنة؛ ولهذا بقي القطاع الخاص وسيبقى سالماً معافى لم ولن يقترب منه أحد في القريب العاجل حسب المعطيات الحالية؛ اليوم أحاول أن أساهم (من باب فعل الخير) بلفت نظر السلطتين  إلى ضريبة أخرى بعيدة عن أذهانهم على ما يبدو لنبقى بعيدين عن تشليح المواطن ألا وهي ضريبة البقاء على الحياة.  هل سمعتم بضريبة من هذا النوع ؟؟  
 
كانت المرة الأولى التي سمعت بها بهذا المسمى بمسلسل (ليالي الحلمية) بنهايات القرن الماضي. لقد كان المسلسل  يعرض لمراحل مهمة من تاريخ مصر الكبيرة من أيام المَلَكية الى أن وصلت لعهد الرئيس حسني مبارك؛ وكان المسلسل  في خمسة أجزاء غلب على الأجزاء الأخيرة التفصيل لطول فترة الرئيس مبارك.  ما يهمنا بالموضوع هو أن أحدهم وفي اثناء جلوسه في قهوة الحِلمية قال لأصحابه متندراً وساخراً من كثرة الضرائب،  قال :
 
 "سمعت أنهم حيفرضوا ضريبة البقاء على الحياة"
 
 فالتقط الحضور النكتة الساخرة وبادلوه سخرية بسخرية قائلين:
 
 "ودي حندفعها ازاي؟" 
 
فقال:
 
 تقوم من النوم تلاقي نفسك حي ما متش  تروح تدفع ضريبة. 
 
 ضحك الجميع وأخذ كل منهم نفساً من الشيشة أمامه. 
 
وبالعودة إلى الوضع الاقتصادي عندنا الذي احتار المسؤولون في وصفه أهو في خطر أم في أمن وأمان فإنني أقترح (لأنه ما ظل غيرها) فرض ضريبة جديدة على المواطن اسمها ضريبة البقاء على الحياة؛ يفيق المواطن من النوم فيعد أفراد أسرته الذين ما زالوا على قيد الحياة فيتوجه لأقرب مكتب بريد فيدفع الضريبة ويرجع بصحن فول للعائلة ليفطروا عليه؛ فمن المفروض ابراء الذمة أولاً قبل الإفطار.  طبعاً لن تغلب الحكومة في إيجاد طريقة للحصول على هذه الضريبة وكنت سأقترح التلفونات الخلوية مثلاً كوسيلة لتحصيل الضريبة إلا أن هذه طبعاً ستشوبها عيوب كثيرة من حيث عجزها عن حصر عدد أفراد العائلة أو تهرب البعض ممن لا يملكون  هواتف من هذه الضريبة.  
 
من كان بعمري يذكر أوراقاً كان المتقاعدون يقدمونها بنهاية العام تسمى ورقة أو نموذج " تفقد الحياة"؛ يملأها المتقاعد ببياناته ويختمها المختار بختمه ثم يحملها المتقاعد ليثبت أنه حيٌ يُرزق، فحضوره بدون الورقة لا يثبت أنه ما زال على قيد الحياة.  اختفت هذه الظاهرة بعد أن اتضح للدولة أن وثائق الأحوال المدنية كفيلة بأن تثبت حياة المتقاعد، فتم إلغاء الورقة وخسر المختار الربع دينار (بتلك الفترة) بدل ختمه.  
 
أمر  ظاهره في السخرية وباطنه فيه الألم؛ ألم يفكر أصحاب السلطتين التشريعية والتنفيذية بالسؤال التقليدي  وماذا بعد كل هذه الضرائب؟  هل بقي شيء لم تفرض عليه الضريبة؟ حقيقة (ولو أنني أعرف أنهم لن  يعجزهم إيجاد ضرائب أخرى) أرى أنه لم يبقى عليهم إلا فرض ضريبة البقاء على الحياة التي حدثتكم عنها.  فهل سنجد أنفسنا طوابير  أمام مكاتب البريد مثلاً لدفع الضريبة الجديدة؟  وماذا ستفعل الحكومة إن تأخر الموظفون  عن عملهم؟ وهل سيعتبر تأخرهم عن الدوام بحجة دفع الضريبة عذراً مقبولاً للرئيس المباشر فلا يحسم اليوم  من رواتبهم؟  أم ستضطر الدولة لزيادة أعداد موظفي الضريبة؟
 
الآن الحديث إلى الشعب الأردني الكريم، وهو إن تفتق عقل الحكومات مستقبلاً عن ضريبة مشابهة لضريبة البقاء على الحياة فأرجو أن لا تصبوا جام غضبكم على الفقير إلى الله تعالى؛ ربما يكون هذا المسؤول قد تابع هو أيضاً مسلسل (ليالي الحليمة) وأعجب بالفكرة ونفذها عندما أصبح في موقع المسؤولية.  
 
كان الله في المواطن الصابر.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد