عندما يغضبُ ملكٌ حليمٌ .. جهاد أحمد مساعده

mainThumb

15-02-2018 11:39 AM

ما أشبه اليوم بالأمس ونحن نقرأ عن عدل الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حين جاء القبطي يشتكي لأمير المؤمنين عمر أنه قد تعرض للجلد من ابن والي مصر آنذاك عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.

والقصة تُروى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه أتى رجل من أهل مصر يحمل مظلمة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال له: يا أمير المؤمنين إني عائذ بك من الظلم. فأجابه عمر: «عذت بمعاذ». فقال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين.
لقد اشتكى المصري إلى الخليفة كيف أن ابن والي مصر عبد الله بن عمرو بن العاص قد غضب لهزيمته في سباق!
عندما سمع الفاروق ذلك، لم يكن الأمر بسيطاً كما نتخيل، فقد كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالقدوم إليه، ويَقْدُم بابنه معه، فما إن وصلا وكان بحضرته، أمر الخليفة عمر أن يأتوا بالمصري الذى قدَّم الشكوى وقال له: خذ السوط فاضرب.
يقول أنس ابن مالك: «فجعل يضربه بالسوط»، وعمر يقول: «اضرب ابن الألْيَمَيْن، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه». يقول أنس: فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه!
فما كان من عمر إلا أن وجه حديثه لعمرو بن العاص بكلمته الشهيرة: «مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
ما أشبه اليوم بالأمس حين ينتصر الملك عبد الله الثاني ابن الحسين لمواطن لا حول له ولا قوة، يتعرض إلى قهر من مسؤول غره المنصب حتى اعتقد أنه صاحب قوة وذو بأس شديد. 
فما إن سمع جلالة الملك بذلك الموقف الذي مسّ أحد أبناء رعيته، إلا وقد غضب غضبة أَقَالَ بها ذلك المسؤول من منصبه؛ ليكون عبرةً لمن تسوِّل له نفسه بالاعتداء على كرامة المواطن، وكأنني أسمع جلالته يقول كما قال خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
هذاالموقف العظيم يثبت أن جلالة الملك لم يفرق بين مسؤول أو غير مسؤول، كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لا يميز أحد عن الآخر إلا بالإنجاز المقترن بالخلق.
 والمواطن الأردني لا يهمه أن يكون المسؤول كريمًا أو بخيلًا، جميلًا أو قبيحًا بقدر ما يهمه أن يكون المسؤول ذا خُلق، ماهرًا في عمله، أمينا على ما أوكل إليه من مهام، متواضعًا -ولو رغما عنه- مع المواطنين، لأن التواضع هو ما يجعل المسؤول جميلًا في أعين الناس، والتواضع إذا ما توفر لدى ذلك المسؤول، صار سهلا عليه أن يكون أمينا.
فعلى المسؤول أن يجعل خدمة المواطن هي الغاية الأسمى، يخدم وطنه بأمانة - فالأمانة هي قلب الأخلاق- وإذا فسد القلب فسد كل شيء، وأن يكون متواضعًا في تعامله، حليمًا إذا ما انتباه غضب، يتصف بالمهارة، متمتعًا بالعلم والخبرة، ضليعًا بما أنيط به... وإلا فهو عاجز وغير مسؤول. 
عندما يغضب ملك حليم يصبح أصحاب الذوات المتكبرون يتحسسون رؤوسهم خوفًا على مناصبهم.
سر بنا أيها الملك الشجاع، وسر بنا يا ولي العهد الأمين، إلى المستقبل الجميل، مستقبل العدل والمساواة والحياة الكريمة للشعب، واحموا الوطن وأهله من ثلة تحاول إفساد البهجة والبسمة رغم السنوات العجاف التي تمر بها المنطقة، فقد رأيتما مكانكما في قلوب الشعب الأردني عندم يخرجون نصرة للوطن والمليك، وما أخرجهم إلا حب الوطن وقيادته، فشكرا ملء الكون للملك المعزز الشجاع، وولي عهده الأمين الأمير حسين -حفظهما الله-.
 
 
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد